للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الحصر في الاقتداء به في أفعاله، لا في جميع أحواله، كما لو كان محدثًا، أو حامل نجاسة، فإن الصلاة خلفه تصحّ لمن لم يعلم حاله على الصحيح عند العلماء، ثم مع وجوب المتابعة ليس شيء منها شرطًا في صحة القدوة، إلا تكبيرة الإحرام.

واختلف في السلام، والمشهور عند المالكية اشتراطه مع الإحرام والقيام من التشهد الأول، وخالف الحنفية، فقالوا: تكفي المقارنة، قالوا: لأن معنى الائتمام الامتثال، ومن فَعَل مثل فعل إمامه عُدَّ ممتثلًا. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما قاله الحنفيّة مخالف لصريح الذي يوجب تأخّر فعل المأموم عن فعل الإمام، فمقارنة الإمام في الأفعال محرّمة، بالنصوص الصحيحة، وقد تقدّم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الطويل (٢): "فإن الإمام يركع قبلكم، ويرفع قبلكم"، وقال: "فتلك بتلك"، وكذلك قال في السجود، وقد تقدّم البحث في هذا مستوفًى، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، واللَّه تعالى أعلم.

(فَإِذَا كَبَّرَ) أي للإحرام، أو مطلقًا، فيشمل تكبيرات الانتقالات (فَكَبِّرُوا) وروى أبو داود حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، ولفظه: "إنما جُعِل الإمام ليؤتَمَّ به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد. . . "، الحديث (٣).

فهذه الرواية توضّح أن المراد أن تكبير المأموم يكون بعد تكبير الإمام.

[فائدة]: جزم ابن بطال ومن تبعه حتى ابن دقيق العيد أن الفاء في قوله: "فكبروا" للتعقيب، قالوا: ومقتضاه الأمر بأن أفعال المأموم تقع عقب فعل الإمام.

لكن تُعُقِّب بأن الفاء التي للتعقيب هي العاطفة، وأما التي هنا فهي للربط فقط؛ لأنها وقعت جوابًا للشرط، فعلى هذا لا تقتضي تأخُّر أفعال المأموم عن


(١) "الفتح" ٢/ ١٧٨.
(٢) هو حديث أبي موسى الأشعريّ -رضي اللَّه عنه- الطويل، وقد تقدّم في "الصلاة" برقم (١٦/ ٩٠٩).
(٣) حديث صحيح أخرجه أبو داود في "سننه" بسند صحيح رقم (٦٠٣).