للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

واعترضه بعضهم فيما قاله في "أن" المفتوحة، فقال: وهذا غير صحيح، لأن "أن" لا تكون نفيًا، ولا أعلم أحدًا من النحويين حَكَى ذلك، والوجه في هذه الرواية: "أَنْ يَدْريَ" بفتح الياء من "يَدْري"، وتكون "أَنْ" هي الناصبة للفعل، ويكون "يضل" بضاد غير مشالة، من الضلال الذي هو الْحَيْرة، كما يقال: ضَلّ عن الطريق، فكأنه قال: يَحار الرجل، ويَذْهَل عن أن يدري كم صلى؟، فتكون "أن" في موضع نصب بسقوط حرف الجر.

ويجوز أن يكون من الضلال الذي يراد به الخطأ، فتكون الضاد مكسورة، كقوله: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: ٥٢]، وتكون "أَنْ" في موضع نصب على المفعول الصحيح؛ لأن "ضَلَّ" التي بمعنى أخطأ لا يَحتاج تعديها إلى حرف الجر، قال طَرَفَةُ [من الطويل]:

وَكَيْفَ يَضِلُّ الْقَصْدَ وَالْحَقُّ وَاضِحٌ … وَللْحَقِّ بَيْنَ الصَّالِحِينَ سَبِيلُ

قال: ولو رُوِي: حتى يُضِلَّ الرجلَ أَنْ يدريَ كم صلى؟، لكان وجهًا صحيحًا يريد به حتى يُضِلّ الشيطانُ الرجلَ عن دراية كم صلى؟، ولا أعلم أحدًا رواه كذا، لكنه لو رُوي لكان وجهًا صحيحًا في المعنى، غير خارج عن مراده -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى.

قال العراقيّ: وما أدري ما وجه تفرقة ابن عبد البر بين "لا"، و"ما"، فجَعَل رواية الفتح بمعنى "لا"، ورواية الكسر بمعنى "ما"، مع أن "لا"، و"ما" بمعنًى واحدٍ، ثم إنه -أعني ابن عبد البر- لا يَعْرِف قوله: "يظل" إلا بالظاء المشالَة، ولا يتجه مع ذلك في "إن" إلا الكسر، ولا يتجه فيها الفتح إلا مع الضاد الساقطة، كما حكيناه عن بعضهم، وهي رواية.

وقال القاضي عياض: حَكَى الداوديّ أنه رُوي "يضلّ" بالضاد، بمعنى ينسى ويذهب وَهْمُهُ، قال اللَّه تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢].

وما حكيته عن ابن عبد البر من ضبطه "أَنْ" هنا بالفتح وافقه عليه الأصيليّ، فضبطها بالفتح في "صحيح البخاريّ"، وما حَكَيته عن المعترض عليه ذكره أيضًا لقاضي عياض، فقال: ولا يصح تأويل النفي، وتقدير "لا" مع الفتح، وإنما يكون بمعنى "ما"، والنفي مع الكسر، قال: وفتحها لا يصحّ إلا