للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والعصمة متضمّنة لمعنى النفي؛ فلذا صحّ التفريغ؛ إذ هو شرطه، أي لا يجوز إهدار دمائهم وأموالهم بسبب من الأسباب إلا بحقّها، والإضافة في "بحقّها" بمعنى اللام، ويجوز أن تكون بمعنى: "من"، وبمعنى "في".

[فائدة]: الاستثناء المفرغ لا يكون إلا في النفي، وجوّزه ابن مالك في كلّ موجب في النفي، نحو صمت إلا يوم الجمعة؛ إذ معناه لم أفطر، والتفريغ إما في نهي صّريح، كقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: ١٧١]، أو ما في معناه، كالشرط في قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ} [الأنفال: ١٦]، وإما في نفي صريح، كقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران: ١٤٤]، أو فيما معناه، كقوله تعالى: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف: ٣٥] (١).

[تنبيه]: أراد بحقّ الدماء، ما بيّنه في حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيبُ الزاني، والنفسُ بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"، متّفقٌ عليه،

وبحقِّ الأموال الزكاة، ونحوها من الحقوق المتعلّقة بها.

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: قوله: "إلا بحقها"، سيأتي أن أبا بكر - رضي الله عنه - أدخل في هذا الحقّ فعلَ الصلاة والزكاة، وأن من العلماء مَن أدخل فيه فعل الصيام والحج، أيضًا، ومن حقها ارتكاب ما يبيح دم المسلم من المحرمات، وقد ورد تفسير حقها بذلك، أخرجه الطبرانيّ، وابن جرير الطبريّ، من حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عَصَمُوا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله - عز وجل -، قيل: وما حقُّها؟ قال: "زِنًا بعد إحصان، وكُفْرٌ بعد إيمان، وقتلُ نفس، فيقتل بها" (٢).

ولعل آخره من قول أنس - رضي الله عنه -، وقد قيل: إن الصواب وقف الحديث كله عليه.


(١) راجع "عمدة القاري" ١/ ١٨٠،
(٢) أورده الحافظ الهيثميّ في "مجمع الزوائد" ١/ ٢٥ - ٢٦ وقال: رواه الطبرانيّ في "الأوسط"، وفيه عمرو بن هاشم البيروتيّ، والأكثر على توثيقه. انتهى.