للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ويشهد لهذا ما في "الصحيحين" عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". انتهى كلام ابن رجب رحمه الله تعالى (١).

(وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ") جملة من مبتدإ وخبر، أي محاسبة الناس بعد تمسّكهم بهذه الأشياء في أمور سرائرهم على الله - سبحانه وتعالى -.

وقال في "الفتح": قوله: "وحسابهم على الله"، أي في أمر سرائرهم، ولفظة "على" مشعرة بالإيجاب، وظاهرها غير مراد، فإما أن تكون بمعنى اللام، أو على سبيل التشبيه، أي هو كالواجب على الله في تحقيق الوقوع. انتهى (٢).

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: قوله: "وحسابهم على الله - عز وجل - ": يعني أن الشهادتين مع إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، تَعْصِم دم صاحبهما وماله في الدنيا، إلا أن يأتي ما يبيح دمه، وأما في الآخرة فحسابه على الله - عز وجل -، فإن كان صادقًا أدخله الله بذلك الجنة، وإن كان كاذبًا فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وقد تقدم أن في بعض الروايات في "صحيح مسلم" ثم تلا: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)} الآية [الغاشية: ٢١ - ٢٢].

والمعنى إنما عليك أن تُذَكِّرهم بالله، وتدعوهم إليه، ولست مُسَلَّطًا على إدخال الإيمان في قلوبهم قهرًا، ولا مكلفًا بذلك، ثم أخبر أن مرجع العباد كلهم إليه، وحسابهم عليه.

وفي "مسند البزار" عن عياض الأنصاريّ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لا إله إلا الله، كلمةٌ على الله كريمةٌ، لها عند الله مكان، وهى كلمةٌ مَن قالها صادقًا أدخله الله بها الجنة، ومن قالها كاذبًا حَقَنَت ماله ودمه، ولقي الله غدًا، فحاسبه".

وقد استَدَلَّ بهذا من يَرَى قبول توبة الزنديق، وهو المنافق، إذا أظهر


(١) "جامع العلوم والحكم" ١/ ٢٣٥ - ٢٣٦.
(٢) "الفتح" ١/ ٩٧.