(حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) جُعِلت غاية المقاتلة وجودَ ما ذُكِر، فمقتضاه أن مَن شَهِدَ، وأقام، وآتى، عَصَمَ دمه، ولو جحد باقي الأحكام.
والجواب: أن الشهادة بالرسالة تتضمن التصديق بما جاء به، مع أنّ نص الحديث، وهو قوله:"إلا بحق الإسلام" يدخل فيه جميع ذلك.
[فإن قيل]: فَلِمَ لم يَكْتَفِ به؟ ونَصَّ على الصلاة والزكاة.
[فالجواب]: أن ذلك لعظمهما، والاهتمام بأمرهما؛ لأنهما أُمّا العبادات البدنية والمالية.
(وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ) أي يداوموا على الإتيان بها بشروطها، من قامت السوق: إذا نَفَقَت، وقامت الحرب: إذا اشتدّ القتال، أو المراد بالقيام الأداء؛ تعبيرًا عن الكل بالجزء؛ إذ القيام بعض أركانها، والمراد بالصلاة المفروض منها، لا جنسَها، فلا تدخل سجدة التلاوة مثلًا، وإن صَدَقَ اسم الصلاة عليها.
(وُيؤْتُوا الزَّكَاةَ) أي يُعْطوها لمستحقيها (فَإِذَا فَعَلُوا) وفي رواية البخاريّ: "فإذا فَعَلوا ذلك"، وذكر اسم الإشارة باعتبار المذكور، أي فعلوا ما ذُكر من الشهادة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وفيه التعبير بالفعل عما بعضُه قولٌ، إما على سبيل التغليب، وإما على إرادة المعنى الأعم؛ إذ القولُ فعلُ اللسان. انتهى (١)، وقوله:(عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) جواب "إذا"، أي حفظوا، وحَقَنُوا، ومعنى العصمة في اللغة: المنع، ومنه العصام، وهو الخيط الذي تُشدّ به فم القربة، حيث يمنع الماء من السيلان (إِلَّا بِحَقِّهَا) أي بحقّ الدماء، والأموال، وللبخاريّ:"إلَّا بحقّ الإسلام"، وهو بمعناه، والاستثناء مفرّغ،