قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله: اختَلَفُوا في الانتفاع بعظام الميتة، وأنياب الفِيَلَة، فكرهت طائفة ذلك، قال عطاء: زعموا أنه لا يصاب عظامها إلا وهي ميتة، قال: فلا يُستمتع بها، قيل: وعظام الميتة كذلك؟ قال: نعم.
وكَرِه طاوس، والحسن البصريّ، وعمر بن عبد العزيز العاج، وقال مالك في أمشاط العاج: ما كان ذَكِيًّا فلا بأس به، وما كان منها ميتًا فلا خير فيه، وكَرِه ذلك معمر، وقال الشافعيّ: لا تباع عظام الميتة.
ورَخَّصَت طائفة في العاج، هذا قول عروة بن الزبير، وقال هشام: كان لأبي مشط، ومدهن من عظام الفيل، وكان ابن سيرين: لا يرى في التجارة به بأسًا.
وقد رَوَينا عن الحسن البصريّ قولًا ثانيًا، وهو أن لا بأس بأنياب الفيلة، وكان النعمان يقول: لا بأس ببيع العاج، وما أشبهه من العظام والقرون، وإن كان من ميتة، وكذلك الريش والوَبَر والشعر.
وكان سفيان الثوري يقول: لا أرى بالقرن والظِّلْف بأسًا، ليس بمنزلة العظم، وقال أصحاب الرأي: لا بأس بعظم الميت إذا غُسِل.
وكان الليث بن سعد يقول: لا بأس بعظام الميتة أن يُنتفع بها الأمشاط والمداهن، وغير ذلك، إذا أُغليت على النار بالماء، حتى يذهب ما فيها من الدَّسَم، وهو الذي سمعته من العلماء.
قال ابن المنذر رحمه الله: حَرَّم الله الميتة والدم ولحم الخنزير، وثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حَرَّم الميتة، وأجمع أهل العلم في حمل أقاويلهم على تحريم الميتة، واختلفوا في عظام الميتة على سبيل ما ذكرناه عنهم، فالميتة مُحَرَّمة على ظاهر كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، واتفاق الأمة، ومن الدليل الْبَيِّن على أن العظم يَحْيَى بحياة الحيوان، ويموت بموته قوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)} الآية [يس: ٧٨ - ٧٩]، فأعلمنا أنه يُحيي العظام، ودَلَّ ذلك على أن في العظم حياةً، وليس الشعر والصوف كذلك؛ لأنه لا حياة فيهما، ودل إجماع أهل العلم على طهارة الصوف إذا جُزَّ من الشاة، وهي حية، وأن عضوًا لو قطع منها، وهي حية أن ذلك نجس، فلما أجمعوا على الفرق بينهما بأن أحدهما يَحيَى بحياة