للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقد رَوَينا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما قُطِع من البهيمة، وهي حية، فهو ميت".

ثم أخرج بسنده عن أبي واقد الليثيّ، قال: قدم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المدينة، والناس يَجُبّون أسنمة الإبل، ويقطعون ألية الغنم، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما قُطِع من البهيمة وهي حية، فهو ميت" (١).

قال: وقد أجمعوا على أنه لم يُرِد بذلك الشعر، ولا الصوف، ولا الوبر.

وقال بعض من يُوافق مذهبنا: يقال لمن يخالف ما قلنا: جاء الحديث عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما قُطِع من البهيمة، وهي حية فهو ميت"، واتفق أهل العلم على القول به، فلم أبحتَ الانتفاع بشعر ما يؤكل لحمه إذا جُزّ، وهو حيّ؟ فإن قال: لأن الشعر لا يموت، ولا يحتاج إلى الذكاة؛ لأنه لا حياة فيه، قيل: وكذلك هو بعد موت الشاة، وإنما حَرُم بموت الشاة ما يموت بموتها، وما كان لا يَحِلّ إلا بالذكاة، وموافقتك إيانا على ما ذكرناه في حياة الشاة توجب عليك القول بمثل ذلك بعد موتها؛ لأن القياس منهما واحد. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن قول الجمهور بجواز الانتفاع بشعر الميتة، وصوفها، ووبرها هو الحقّ؛ لأن هذه الأشياء مما لا تحلّها الحياة، فهي مخالفة لأعضاء الميتة الأخرى، بدليل أنه لو قُطع عضو من البهيمة، وهي حيّة كان حرامًا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما قُطع من البهيمة وهي حيّة فهو ميتة"، وقد وقع الإجماع على أنه لو جُزّ شعرها، أو صوفها، أو وبرها وهي حيّة، جاز الانتفاع به، فبان الفرق بذلك، واتّضح؛ فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في عظام الميتة والعاج (٣):


(١) حديث صحيح، أخرجه أحمد (٢٠٨٩٧ و ٢٠٨٩٨)، وأبو داود (٢٨٥٨)، والترمذيّ (١٤٠٠) بإسناد صحيح.
(٢) "الأوسط" ٢/ ٢٧٢ - ٢٧٤.
(٣) "العاج": أنياب الفيل. اهـ. "المصباح" ٢/ ٤٣٦.