للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

من كلامه أن حديث عبد الله بن عُكيم مضطربٌ، لا يقاوم حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - في الترخيص بالانتفاع بعد الدبغ، وعلى تقدير صحّته، فيُجمع بحمله على ما قبل الدبغ؛ فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في الانتفاع بشعور الميتة، وأصوافها، وأوبارها:

قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله: اختَلَفُوا في ذلك، فأباحت طائفة الانتفاع بذلك كله، وممن أباح ذلك الحسن البصريّ، ومحمد بن سيرين، وبه قال حماد بن أبي سليمان إذا غُسِل، وقال الأعمش: كان أصحاب عبد الله يَرَون أن غسل صوف الميتة طهوره، وبه قال مالك بن أنس، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق، وقالوا: يُغْسَل، وقال الأوزاعيّ: الريش والعَصَب والصوف ذَكِيّ كله.

وكَرِه بعضهم ذلك، قال ابن جريج: سألت عطاء عن صوف الميتة؟ فكرهه، وقال: إني لم أسمع أنه يُرَخَّص إلا في إهابها إذا دُبِغ.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الشاة أو البعير أو البقرة إذا قُطِع من أيّ ذلك عضو، وهو حيّ أن المقطوع منه نجس، وأجمعوا على أن الانتفاع بأشعارها وأوبارها وأصوافها جائز، إذا أُخِذ منها ذلك، وهي أحياء، ففيما أجمعوا عليه على الفرق بين الأعضاء والشعر والصوف والوبر بيان على افتراق أحوالها، ودَلَّ ذلك أن الذي يَحتاج إلى الذكاة هو الذي إذا فات أن يُذَكَّى حرُم، وأن ما لا يَحتاج إلى الذكاة ولا حياة فيه طاهر، أُخِذ منها ذلك وهي أحياء أو بعد موتها؛ إذ لا حياة فيها؛ لأنها لو كانت فيها حياة كانت كالأعضاء التي تَحتاج إلى الذكاة، فلا بأس بشعر الميتة وصوفها ووبرها، وهذا قول أكثر أهل العلم، والله أعلم.

فأما عطاء فإنما كَرِهه، وقد يَكْرَه الشيءَ، فإذا وُقِّف على التحريم لم يُحَرّمه، ولا يؤخذ من عطاء أنه حَرَّمه، ولو وُجد ذلك منه لكان خلافًا لقول مَن قد ذكرنا ذلك عنه من التابعين ومن بعدهم.