للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال: وأباحت طائفة الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ، وحَرَّمت الانتفاع بها قبل الدباغ، وذلك مثل جلود الأنعام، وما يقع عليه الذكاة، وهي حيّة، هذا قول أكثر أهل العلم.

قال: وممن رَأَى أن جلود ما يقع عليه الذكاة إذا مات منها شيء قبل أن يُذَكَّى، ويدبغ أن الدباغ يُطَهِّره: عطاءُ بن أبي رَبَاح، وإبراهيم النخعيّ، والشعبيّ، والحسن البصريّ، وقتادة، ويحيى الأنصاريّ، وسعيد بن جبير، وبه قال الأوزاعيّ، والليث بن سعد، وسفيان الثوريّ، وأهل الكوفة، وابن المبارك، والشافعيّ، وإسحاق بن راهويه.

قال: وقد رَوَينا غيرَ ما ذكرناه أقاويلَ غيرها خلافَ ما ذكرناه، فمن ذلك ما رواه هُشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، أنه كان يقول: يُنْتَفَع بجلود الميتة إذا دُبِغت، ولا تباع، ولا نَعْلَم أحدًا وافق النخعيّ على هذا القول.

وقد حَكَى ابنُ وهب عن مالك أنه سئل، هل يُصَلَّى في جلد الميتة إذا دُبغ؟ قال: لا، وقال: إنما أُذن في الاستمتاع به، ولا أرى أن يُصَلَّى فيه.

ورُوي عن الحسن أنه كان لا يرى بالصلاة في كل شيء دُبغ بأسًا.

قال: وظاهر هذا القول يُلزم أن يُصَلَّى في جلود الخنازير والكلاب إذا دُبِغت، ولا نعلم أحدًا يقول ذلك في جلود الخنازير (١).

ومن ذلك ما رَويناه عن الزهريّ أنه كان ينكر الدباغ، ويقول: يُسْتَمتَع به على كل حال، مع أنا قد رَوَينا من حديث الوليد بن الوليد الدمشقيّ، عن الأوزاعيّ، عن الزهريّ أن دباغها طهورها.

وقد رَوينا عن النخعيّ روايةً غير الرواية الأولى، أنه سئل عن الرجل يموت له الإبل والبقر والغنم، فيَدْبُغ جلودها؟ قال: يبيعها، ويلبسها إذا دَبَغها.

قال ابن المنذر: وقد احتَجَّ بعض أصحابنا ممن يقول بما ذكرناه، من جُمَل أهل العلم: أن الله عز وجل حَرَّم الميتة في كتابه، فكان ذلك واقعًا على اللحم والجلد جميعًا، إلا أن يُروَى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خبر يدلّ على خصوصيّة شيء منه، فلما ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه رَخَّصَ في جلد الشاة الميتة بعد الدباغ، وَجَب


(١) فيه أنه لا يصحّ دعوى الإجماع في هذا، فالخلاف قائم، كما سيأتي؛ فتنبّه.