للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بالإيمان، وليس في فعل الصدّيق حجة، لما ذكرنا، وإنما فيه قتال من منع الزكاة، والذين تمسّكوا بأصل الإسلام، ومنعوا الزكاة بالشبهة التي ذكروها لم يحكم عليهم بالكفر قبل إقامة الحجّة.

وقد اختلف الصحابة فيهم بعد الغلبة عليهم، هل تُغنم أموالهم، وتُسبى ذراريّهم كالكفّار، أو لا، كالبغاة؟ فرأى أبو بكر الأول، وعمل به، وناظره عمر في ذلك، وذهب إلى الثاني، ووافقه غيره في خلافته على ذلك، واستقرّ الإجماع عليه في حقّ من جحد شيئًا من الفرائض بشبهة، فيطالب بالرجوع، فإن نصب القتال قوتل، وأقيمت عليه الحجة، فإن رجع، وإلا عومل معاملة الكفار حينئذٍ، ويقال: إن أصبغ من المالكية استقرّ على القول الأول، فعُدّ من ندرة المخالف.

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: يستفاد من هذه القصّة أن الحاكم إذا أدّاه اجتهاده في أمر لا نصّ فيه إلى شيء تجب طاعته فيه، ولو اعتقد بعض المجتهدين خلافه، فإن صار ذلك المجتهد المعتقد خلافه حاكمًا وجب عليه العمل بما أدّاه إليه اجتهاده، وتسوغ له مخالفة الذي قبله في ذلك؛ لأن عمر أطاع أبا بكر - رضي الله عنهما - فيما رأى من حقّ مانعي الزكاة مع اعتقاده خلافه، ثم عمل في خلافته بما أدّاه إليه اجتهاده، ووافقه أهل عصره من الصحابة وغيرهم.

وهذا مما يُنبّه عليه في الاحتجاج بالإجماع السكوتيّ، فيشترط في الاحتجاج به انتفاء موانع الإنكار، وهذا منها. انتهى كلام عياض رحمه الله تعالى.

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: يستفاد من فعل عمر - رضي الله عنه - وحكمه أن الإمام المجتهد العدل إذا أمر بأمر، أو حَكَم بحكم وجبت موافقته على ذلك، وإن كان في رعيّته من يرى خلاف رأيه، بل يجب عليه ترك العمل والفتيا بما عنده، وإن اعتقد صحّته، فإن عاد الأمر إليه عمل برأيه الذي كان يعتقده صوابًا، كما فعل عمر - رضي الله عنه -، حيث ردّ في خلافته السبايا.

ويحصل من قضيّة الخليفتين أن سبي أولاد المرتدّين لم يكن مجمعًا عليه، وأن عمر - رضي الله عنه - إنما وافق أبا بكر ظاهرًا وباطنًا على قتال الجميع لا غير، وأما سبيُ الذراريّ فلم يوافقه عليه باطنًا، لكنه ترك العمل بما ظهر