للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال بعض الشافعية: إلا أن يبقى من الأمهات شيء، ويتصوّر ذلك فيما إذا مات معظم الكبار، وحدثت صغار، فحال حول الكبار على بقيّتها، وعلى الصغار. والله أعلم.

وأما رواية "عِقَالًا" فقد اختلف العلماء قديمًا وحديثًا فيها، فذهب جماعة منهم إلى أن المراد بالعِقَال زكاة عام، وهو معروف في اللغة بذلك، وهذا قول النسائيّ، والنضر بن شُميل، وأبي عُبيدة، والمبرّد، وغيرهم من أهل اللغة، وهو قول جماعة من الفقهاء، واحتج هؤلاء على أن العِقَال يُطلق على زكاة العام بقول عمرو بن الْعَدَّاء الكَلْبيّ [من البسيط]:

سَعَى عِقَالًا فَلَمْ يَتْرُكْ لَنَا سَبَدًا (١) … فَكَيْفَ لَوْ قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ

لأَصْبَحَ الْحَيُّ أَوْبَادًا وَلَمْ يَجِدُوا … عِنْدَ التَّفَرُّقِ فِي الْهَيْجَا جِمَالَيْنِ (٢)

أراد مُدّة عقال، فنصبه على الظرف.

وعمرو هذا الساعي هو عمرو بن عتبة بن أبي سفيان وَلّاه عمه معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - صدقات كلب، فاعتدى عليهم، فقال فيه قائلهم ذلك.

قالوا: ولأن العقال الذي هو الحبل الذي يُعقل به البعير لا يجب دفعه في الزكاة، فلا يجوز القتال عليه، فلا يصحّ حمل الحديث عليه.

وذهب كثيرون من المحققين إلى أن المراد بالعقال الحبل الذي يُعقل به البعير.

وهذا القول يُحكى عن مالك، وابن أبي ذئب، وغيرهما، وهو اختيار صاحب "التحرير"، وجماعة من حُذّاق المتأخّرين.

قال صاحب "التحرير": قول من قال: المراد صدقة عام تعسّف، وذهابٌ عن طريقة العرب؛ لأن الكلام خرج مخرج المضييق، والتشديد، والمبالغة، فيقتضي قلّة ما عُلِّق به القتال، وحقارته، وإذا حُمل على صدقة العام لم يحصل هذا المعنى، قال: ولست أشبّه هذا إلا بتعسّف من قال في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله السارق يَسرق البيضة، فتُقطع يده، وَيسرق الحبل، فتقطع يده"، أن المراد


(١) السبد: البقية من النبت، والقليل من الشعر. أي لم يترك شيئًا قليلًا.
(٢) البيت الثاني مزيد من "لسان العرب"، وكذا جملة قوله: "فاعتدى عليهم".