بالبيضة بيضة الحديد التي يُغطَّى بها الرأس في الحرب، وبالحبل الواحدُ من حبال السفينة، وكلّ واحد من هذين يبلغ دنانير كثيرة.
قال بعض المحقّقين: إن هذا القول لا يجوز عند من يعرف اللغة، ومخارج كلام العرب؛ لأن هذا ليس موضع تكثير لما يسرقه، فيصرفَ إليه بيضةٌ تساوي دنانير، وحبلٌ لا يقدر السارق على حمله، وليس من عادة العرب والعجم أن يقولوا: قبّح الله فلانًا عرّض نفسه للضرب في عقد جوهر، وتعرّض لعقوبة الغلول في جراب مسك، وإنما العادة في مثل هذا أن يقال: لعنه الله تعرّض لقطع اليد في حبل رَثٍّ، أو في كُبَّة شعر، وكلّما كان من هذا أحقر كان أبلغ.
فالصحيح هنا أنه أراد به العقال الذي يُعقَل به البعير، ولم يُرد عينه، وإنما أراد قدر قيمته، والدليل على هذا أن المراد به المبالغة، ولهذا قال في الرواية الأخرى:"عَنَاقًا"، وفي بعضها:"لو منعوني جَدْيًا أذوط". والأذوط صغير الفكّ والذقن. هذا آخر كلام صاحب "التحرير".
قال النوويّ: وهذا الذي اختاره هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره.
وعلى هذا اختلفوا في المراد بـ "منعوني عِقالًا"، فقيل: قدر قيمته، وهو ظاهر متصوَّرٌ في زكاة الذهب والفضّة، والمعشرات، والمعدن، والركاز، وزكاة الفطر، وفي المواشي أيضًا في بعض أحوالها، كما إذا وجب عليه سنّ، فلم يكن عنده، ونزل إلى سنّ دونها، واختار أن يردّ عشرين درهمًا، فمنعه من العشرين قيمة عقال، وكما إذا كانت غنمه سِخالًا، وفيها سَخْلة، فمنعها، وهي تساوي عقالًا، ونظائر ما ذكرته كثيرة معروفة في كتب الفقه، وإنما ذكرت هذه الصورة تنبيهًا بها على غيرها، وعلى أنه متصوّرٌ ليس بصعب، فإني رأيت كثيرين ممن لم يُعَانِ الفقه يستصعب تصوّره حتى حمله بعضهم - وربما وافقه بعض المتقدّمين - على أن ذلك للمبالغة، وليس متصوّرًا، وهذا غلطٌ قبيحٌ، وجهلٌ صريحٌ.
وحكى الخطّابيّ عن بعض العلماء أن معناه: منعوني زكاة العقال، إذا كان من عروض التجارة، وهذا تأويل صحيحٌ أيضًا.
ويجوز أن يراد منعوني عقالًا، أي منعوني الحبل نفسه على مذهب من