للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ)، قال النوويّ: ضبطناه بوجهين، "فَرَقَ"، و"فَرَّقَ" بتشديد الراء، وتخفيفها، ومعناه: من أطاع في الصلاة، وجحد الزكاة، أو منعها. انتهى.

وعبارة الحافظ: يجوز تشديد "فرّق" وتخفيفه، والمراد بالفرق من أقرّ بالصلاة، وأنكر الزكاة، جاحدًا، أو مانعًا مع الاعتراف، وإنما أطلق في أول القصّة الكفر ليشمل الصنفين، فهو في حقّ من جحد حقيقةٌ، وفي حقّ الآخرين مجازٌ تغليبًا، وإنما قاتلهم الصدّيق - رضي الله عنه -، ولم يَعْذِرهم بالجهل، لأنهم نصبوا القتال، فجهّز إليهم من دعاهم إلى الرجوع، فلما أصرّوا قاتلهم. قال المازريّ: ظاهر السياق أن عمر كان موافقًا على قتال من جحد الصلاة، فألزمه الصدّيق بمثله في الزكاة، لورودها في الكتاب والسنّة مَوْرِدًا واحدًا، انتهى (١).

(فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ) يشير إلى دليل منع التفرقة التي ذكرها أن حقّ النفس الصلاة، وحقّ المال الزكاة، فمن صلّى عصم نفسه، ومن زكّى عصم ماله، فمن لم يصلّ قوتل على ترك الصلاة، ومن لم يُزكّ أُخذت الزكاة من ماله قهرًا، وإن نصب الحرب لذلك قوتل، وهذا يوضّح أنه لو كان سمع في الحديث: "ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة" لما احتاج إلى هذا الاستنباط، لكنه يحتمل أن يكون سمعه، واستظهر بهذا الدليل النظريّ.

وقال الطيبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "فإن الزكاة حقّ المال"، هذا الرّدّ يدلّ على أن عمر - رضي الله عنه - حَمَلَ الحقّ في قوله: "عَصَم منّي ماله ونفسه إلا بحقّه" على غير الزكاة، وإلا لم يقم استشهاد عمر - رضي الله عنه - بالحديث على منع المقاتلة، وردُّ أبي بكر - رضي الله عنه - بقوله: "فإن الزكاة حقّ المال"، أو يقال: إن عمر ظنّ أن المقاتلة مع القوم إنما كانت لكفرهم لا للمنع، فاستشهد بالحديث، أجابه أبو بكر - رضي الله عنه - بأني لم أقاتلهم لكفرهم، بل لمنعهم الزكاة، ويَعضد هذا الوجه قوله: "كَفَرَ من كَفَرَ". انتهى (٢).

(واللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا)، هكذا رواية مسلم بلفظ: (عِقَالًا)، قال الحافظ


(١) "الفتح" ١٤/ ٢٨٠.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٤٨٤.