للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عصمة المال والنفس بمن قال: لا إله إلا الله، تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بهذا مشركو العرب، وأهل الأوثان، ومن لا يوحّد، وهم كانوا أول من دُعي إلى الإسلام وقوتل عليه، فأما غيرهم ممن يقرّ بالتوحيد، فلا يُكتفى في عصمته بقوله: لا إله إلا الله، إذ كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده، فلذا جاء في الحديث الآخر: "وأني رسول الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة". وهذا كلام القاضي.

قلت (١): ولا بدّ مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما جاء في الرواية الأخرى لأبي هريرة - رضي الله عنه -، هي مذكورة في "صحيح مسلم": "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي، وبما جئت به". والله أعلم.

قال: واختلف أصحابنا في قبول توبة الزنديق، وهو الذي ينكر الشرع جملة، فذكروا فيه خمسة أوجه لأصحابنا:

أصحها، والأصوب منها قبولها مطلقًا، للأحاديث الصحيحة المطلقة.

والثاني: لا تُقبل، ويتحتّم قتله، لكنه إن صدق في توبته نفعه ذلك في الدار الآخرة، وكان من أهل الجنّة.

والثالث: إن تاب مرة واحدة قبلت توبته، فإن تكرّر ذلك منه لم تقبل.

والرابع: إن أسلم ابتداءً من غير طلب قبل منه، وإن كان تحت السيف فلا.

والخامس: إن كان داعيًا إلى الضلال لم يقبل منه، وإلا قبل منه، والله تعالى أعلم، انتهى كلام النوويّ (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما صححه النووي رحمه الله تعالى من قبول توبة الزنديق مطلقًا هو الأرجح عندي؛ لما ذكره، ولإطلاق قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} الآية [الأنفال: ٣٨]، والزنديق كافر، تعمّه هذه الآية، ولحديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - مرفوعًا: "أما علمت أن الإسلام يَهْدِمُ ما كان قبله". أخرجه مسلم. والله تعالى أعلم.


(١) القائل هو النوويّ رحمه الله تعالى.
(٢) "شرح مسلم" ١/ ١٥٦ - ١٥٧.