بأمور الدين، وكان عهدهم حديثًا بالإسلام، فتداخلتهم الشبهة، فَعُذِروا كما عُذِر بعضُ من تأوّل من الصحابة في استباحة شرب الخمر قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة: ٩٣]، فقالوا: نحن نشربها، ونؤمن بالله، ونعمل الصالحات، ونتّقي، ونُصلح. فأما اليومَ، وقد شاع دين الإسلام، واستفاض علمُ وجوب الزكاة، حتى عرفه الخاص والعام، واشترك فيها العالم والجاهل، فلا يُعْذَر أحدٌ بتأويلٍ يتأوله في إنكارها، وكذلك الأمر في كُلّ من أنكر شيئًا، مما أجمعت الأمة عليه، من أمور الدين، إذا كان علمه منتشرًا، كالصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة، وتحريم الزنا، والخمر، ونكاح ذوات المحارم، ونحوها من الأحكام، إلا أن يكون رجلٌ حديث عهد بالإسلام، ولا يَعْرِف حدوده، فإنه إذا أنكر شيئًا منها جهلًا به لم يُكَفَّر، وكان سبيله سبيل أولئك القوم في بقاء اسم الدين عليه.
فأما ما كان الإجماع فيه معلومًا من طريق علم الخاصة، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وأن القاتل عمدًا لا يَرِثُ، وأن للجدة السدسَ، وما أشبه ذلك، من الأحكام، فإن من أنكرها لا يُكَفَّرُ، بل يُعْذَر فيها؛ لعدم استفاضة علمها في العامة، وتفرّد الخاصّة بها.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: وإنما عرَضَ الوهمُ في تأويل الحديث من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه -، ووقعت الشبهة فيه لمن تأوّله على الوجه الذي حكيناه عنهم؛ لكثرة ما دخله من الحذف والاختصار، وذلك لأن القصد به لم يكن سياق الحديث على وجهه، وذِكْرُ القصة في كيفية الردّة منهم، وإنما قَصَدَ به حكاية ما جَرَى بين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، وما تنازعاه من الحجاج في استباحة قتالهم، ويُشْبِهُ أن يكون أبو هريرة إنما لم يُعْنَ بذكر جميع القصة، وسوقها على وجهها كلّها؛ اعتمادًا على معرفة المخاطبين بها؛ إذ كانوا قد عَلِمُوا وجه الأمر، وكيفية القصة في ذلك، فلم يضرّ ترك إشباع البيان مع حصول العلم عندهم به، والله تعالى أعلم.
ويُبَيِّن لك أن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مختصر، غير مستَقْصًى أن عبد الله بن عمر، وأنس بن مالك - رضي الله عنهم - قد روياه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزيادة شروط ومعانٍ لم يذكرها أبو هريرة - رضي الله عنه -.