للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

{فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس: ٩٤]، ولا يجوز أن يكون - صلى الله عليه وسلم - قد شكّ قطّ في شيء مما أنزل عليه، وكقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: ١٤] (١)، وقال: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: ٨٣]، وهذا خطاب لم يتوجّه عليه، ولم يلزمه حكمه؛ لأمرين: أحدهما أنه لم يُدرك والديه، ولا كان واجبًا عليه لو أدركهما أن يُحسن إليهما، ويشكرهما إحسان الآباء المسلمين وشكرهم.

وأما التطهير والتزكية والدعاء من الإمام لصاحب الصدقة، فإن الفاعل فيها قد ينال ذلك كله بطاعة الله تعالى، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها، وكلُّ الثواب موعود على عمل من الطاعات كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، فإنه باقٍ غير منقطع بوفاته، وقد يُسْتَحَبُّ للإمام، وعامل الصدقة أن يدعو للمتصدِّق بالنماء والبركة في ماله، ويُرْجَى أن يستجيب الله تعالى ذلك، ولا يُخَيِّب مسألته فيه.

قال الخطّابيّ رحمه الله تعالى: ومن لواحق بيان ما تقدّم في الفصل الأول من ذكر وجوب إيتاء الزكاة وأدائها إلى القائم بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جعل آخر كلامه عند وفاته قوله: "الصلاةَ، وما ملكت أيمانكم"؛ ليُعقل أن فرض الزكاة قائمٌ، كفرض الصلاة، وأن القائم بالصلاة هو القائم بأخذ الزكاة، ولذلك قال أبو بكر - رضي الله عنه -: "والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة"؛ استدلالًا بهذا، مع سائر ما عُقِل من أنواع الأدلّة على وجوبها، والله تعالى أعلم.

[فإن قيل]: كيف تَأَوَّلْتَ أمر الطائفة التي مَنَعَت الزكاة على الوجه الذي ذهبت إليه، وجعلتهم أهل بغيٍ، أرأيتَ إن أنكرت طائفة من المسلمين في زماننا فرض الزكاة، وامتنعوا منً أدائها، يكون حكمهم حكم أهل البغي؟

[قيل]: لا، فإن من أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافرًا بإجماع المسلمين، والفرق بين هؤلاء وبين أولئك أنهم إنما عُذِروا لأسباب وأمور، لا يَحْدُث مثلها في هذا الزمان، منها قرب العهد بزمان الشريعة التي كان يقع فيها تبديل الأحكام بالنسخ، ومنها وقوع الفترة بموت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان القوم جُهّالًا


(١) في كون هذا من خطاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نظر لا يخفى؛ لأن هذا من خطاب لقمان لابنه، كما نصّ القرآن، فليُتأمّل.