المرتدين في منع بعض ما منعوه من حقوق الدين، وذلك أن الرّدّة اسم لغويّ، وكلُّ من انصرف عن أمر كان مقبلًا عليه فقد ارتدّ عنه، وقد وُجِد من هؤلاء القوم الانصرافُ عن الطاعة، ومنعُ الحق، فانقطع عنهم اسم الثناء والمدح بالدين، وعَلِقَ بهم الاسم القبيح؛ لمشاركتهم القومَ الذين كان ارتدادهم حقًّا.
وأما قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: ١٠٣]، وما ادَّعَوه من كون الخطاب فيه خاصًّا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن خطاب كتاب الله تعالى على ثلاثة أوجه: خطابٌ عامٌّ، كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية [المائدة: ٦]، وكقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} الآية [البقرة: ١٨٣]، وخطاب خاصٌّ للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، لا يَشْرَكُهُ فيه غيره، وهو ما أُبِين به عن غيره بسِمَةِ التخصيص، وقَطْعِ التشريك، كقوله تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} الآية [الإسراء: ٧٩]، وكقوله تعالى:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية [الأحزاب: ٥٠]، وخطابُ مواجهةٍ للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو وجميع أمته في المراد به سواءٌ، كقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} الآية [الإسراء: ٧٨]، وكقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨)} [النحل: ٩٨]، وكقوله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} الآية [النساء: ١٠٢]، ونحو ذلك من خطاب المواجهة، فكُلُّ من دَلَكَت له الشمس كان عليه إقامة الصلاة واجبةً، وكلُّ من أراد قراءة القرآن كانت الاستعاذة مُعْتَصَمًا له، وكلُّ من حضره العدوّ، وخاف فوت الصلاة، أقامها على الوجه الذي فعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسَنَّها لأمّته، ومن هذا النوع قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة: ١٠٣]، فعلى القائم بعده بأمر الأمة أن يحتذي حَذْوَه في أخذها منهم، وإنما الفائدة في مواجهة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب، أنه هو الداعي إلى الله تعالى، والْمُبَيّن عنه معنى ما أراده، فقُدِّم اسمه في الخطاب؛ ليكون سلوك الأمة في شرائع الدين على حسب ما يَنْهَجه، ويُبَيِّنه لهم، وعلى هذا المعنى قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} الآية [الطلاق: ١]، فافتتح الخطاب بالتنويه باسمه خصوصًا، ثم خاطبه وسائر أمته بالحكم عمومًا، وربما كان الخطاب له مواجهةً، والمراد به غيره، كقوله تعالى:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}[يونس: ٩٤]- إلى قوله -: