للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

استقرّ عند عمر صحة رأي أبي بكر - رضي الله عنهما -، وبان له صوابه تابعه على قتال القوم، وهو معنى قوله: "فَلَمَّا رأيت الله قد شَرَحَ صدرَ أبي بكر للقتال، عَرَفْتُ أنه الحقّ"، يشير إلى انشراح صدره بالحجة التي أدلى بها، والبرهان الذي أقامه نصًّا، ودلالة.

وقد زعم قوم من الروافض أن عمر - رضي الله عنه - إنما أراد بهذا القول تقليد أبي بكر - رضي الله عنه -، وأنه كان يعتقد له العصمة، والبراءة من الخطإ، وليس ذلك كما زعموه، وإنما وجهه ما أوضحته لك، وبيّنته.

وزعم زاعمون منهم أن أبا بكر - رضي الله عنه - أول مَن سَمّى المسلمين كفّارًا وأن القوم كانوا متأوّلين في منع الصدقة، وكانوا يزعمون أن الخطاب في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: ١٠٣] خطاب خاصّ في مواجهة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دون غيره، وأنه مقيد بشرائط لا توجد فيمن سواه، وذلك أنه ليس لأحد من التطهير والتزكية والصلاة على المتصدِّق ما للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ومثل هذه الشبهة إذا وجِد كان مما يُعْذَر فيه أمثالُهم، ويُرْفَعُ به السيف عنهم، فكان ما جرى من أبي بكر عليهم عَسْفًا، وسوء سيرة، وزعم بعض هؤلاء أن القوم كانوا قد اتَّهموه، ولم يأمنوه على أموالهم، إلى ما يُشبه هذا الكلام الذي لا حاصل له، ولا طائل فيه.

قال الخطابيّ رحمه الله تعالى: وهؤلاء الذين زعموا ما ذكرناه قوم لا خَلَاقَ لهم في الدين، وإنما رأس مالهم الْبَهْتُ والتّكذيب، والْوَقِيعَة في السلف.

قد بَيَّنَا أن أهل الردّة كانوا أصنافًا، منهم من ارتدّ عن الملة، ودعا إلى نبوة مسيلمة وغيره، ومنهم من ترك الصلاة والزكاة، وأنكر الشرائع كلها، وهؤلاء هم الذين سماهم الصحابة - رضي الله عنهم - كفّارًا، ولذلك رأى أبو بكر - رضي الله عنه - سَبْيَ ذراريّهم، وساعده على ذلك أكثر الصحابة، واستولد عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - جاريةً من سبي بني حَنِيفة، فولدت له محمدًا الذي يُدْعَى ابن الحنفية، ثم لم يَنْقَضِ عصرُ الصحابة حتى أجمعوا على أن المرتدَّ لا يُسْبَى.

فأما مانعو الزكاة منهم المقيمون على أصل الدين، فإنهم أهل بغي، ولم يُسَمَّوا على الانفراد منهم كفّارًا، وإن كانت الردة قد أُضيفت إليهم؛ لمشاركتهم