وأهمهما، وأُرِّخ قتال أهل البغي في زمن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -؛ إذ كانوا منفردين في زمانه، لم يختلطوا بأهل الشرك، وقد كان في ضمن هؤلاء المانعين للزكاة، من كان يَسْمَح بالزكاة، ولا يمنعها إلا أن رؤساءهم صدّوهم عن ذلك الرأي، وقبضوا على أيديهم في ذلك، كبني يَرْبُوع، فإنهم قد جمعوا صدقاتهم، وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر - رضي الله عنه -، فمنعهم مالك بن نُوَيرة عن ذلك، وفرَّقها فيهم، وقال في شعر له [من الطويل]:
قال الخطابيّ رحمه الله تعالى: وفي أمر هؤلاء عَرَضَ الخلافُ، ووقعت الشبهة لعمر - رضي الله عنه -، فراجع أبا بكر - رضي الله عنه -، وناظره، واحتج عليه بقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرتُ أن أقاتل الناس، حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عَصَمَ نفسه وماله"، وكان هذا من عمر - رضي الله عنه - تعلقًا بظاهر الكلام قبل أن ينظر في آخره، ويتأمل شرائطه، فقال له أبو بكر - رضي الله عنه -: إن الزكاة حق المال، يريد أن القضية التي قد تضمنت عصمة دم ومال معلقة بإيفاء شرائطها، والحكم المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما، والآخر معدوم، ثم قايَسَهُ بالصلاة، ورد الزكاة إليها، فكان في ذلك من قوله دليل على أن قتال الممتنع من الصلاة كان إجماعًا من الصحابة - رضي الله عنهم -، لذلك رَدَّ الْمُخْتَلَفَ فيه إلى المتفق عليه، فاجتمع في هذه القضية الاحتجاج من عمر - رضي الله عنه - بالعموم، ومن أبي بكر - رضي الله عنه - بالقياس، ودَلَّ ذلك على أن العموم يُخَصُّ بالقياس، وأن جميع ما تضمنه الخطاب الوارد في الحكم الواحد، من شرط، واستثناءٍ مُرَاعًى فيه، ومُعْتَبرٌ صحَّتُهُ به، فلَمّا