للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ رحمه الله: "والشُّؤون" هو أصلُ فَرْق الرأس ومُلتقاها، ومنها تجيء الدموع، وذكرها مبالغةً في شدّة الدلك، وإيصال الماء إلى ما يخفى من الرأس. انتهى (١).

(ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا)، أي على شؤون رأسها (الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً) قال القرطبيّ رحمه الله: "الْفِرْصة": صحيح الرواية فيها بكسر الفاء، وفتح الصاد المهملة، وهي القطعة من الشيء، وهي مأخوذة من الْفَرْص، وهو القطع، والْمِفْرَصُ، والْمِفْرَاص: هو الذي تُقطع به الفضة، وقد يكون الْفَرص الشقّ، يقال: فَرَصتُ النعل: أي شققتُ أُذُنيها للشِّرَاك.

قال: وأما "مُمَسَّكةٌ"، فروايتنا فيها بضمّ الميم الأولى، وفتح الثانية، وتشديد السين، ومعناه: مُطَيَّبةٌ بالمسك مبالغةً في نفي ما يُكرَهُ من ريح الدم، وعلى هذا تصحّ رواية الخشني، عن الطبريّ: "فِرْصَةً من مسك" بكسر الميم، وعلى هذا الذي ذكرناه أكثر الشارحين.

وقد أنكر ابن قُتيبة هذا كلّه، وقال: إنما هو قُرْضَةٌ بضمّ القاف (٢)، وبالضاد المعجمة، وقال: لم يكن للقوم وُسْعٌ في المال بحيث يستعملون الطيب في مثل هذا، وإنما هو مَسْكٌ، بفتح الميم، ومعناه: الإمساك، فإن قالوا: إنما سُمِع رباعيًّا، والمصدر إمساك، قيل: سُمع أيضًا ثلاثيًّا، فيكون مصدره مَسْكًا.

قال القرطبيّ: لقد أحسن من قال في ابن قُتيبة: هَجُومٌ ولّاجٌ على ما لا يُحسن، ها هو قد أنكر ما صحّ من الرواية في "فِرْصة"، وجَهِلَ ما صحّح نَقْلَه أئمّة اللغة، واختار ما لا يلتئم الكلام معه، فإنه لا يصحّ أن يقال: خُذْ قِطعةً من إمساك، وسَوَّى بين الصحابة كلّهم في الفقر، وسُوء الحال، بحيث لا يقدرون على استعمال مِسْك عند التطهّر والتنظّف، مع أن المعلوم من أحوال أهل الحجاز واليمن مبالغتهم في استعمال الطيب من المسك وغيره، وإكثارهم


(١) "المفهم" ١/ ٥٨٨.
(٢) وقع في بعض نسخ "المفهم" "قرضة" بالقاف، وهو الصواب، وأما ما في بعض النسخ "فرضة" بالفاء، فتحيفٌ، فتنبّه، والله تعالى أعلم.