للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عليه - ما كان موروثًا عن دين إبراهيم - عليه السلام - فقط، ومن جملته إعفاء اللحية، فظهر بهذا ما موّهوا به من هذه الشبهة الباطلة، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(ومنها): قول الآخرين: إن إعفاء اللحية كان واجبًا لمخالفة المجوس والمشركين، واليوم نرى اليهود يُعفون لحاهم، فوجب أن نخالفهم بحلق اللحية.

وهذه حجة داحضة، لا يقولها إلا أحمق جاهل، فإن إعفاء اللحية وحلقها كانا موجودين في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، فاختار - صلى الله عليه وسلم - ما كان موافقًا لملّة إبراهيم - عليه السلام -، وهو الإعفاء، وأمر به، وردّ ما كان مخالفًا ذلك، وهو الحلق، وأنكره بألفاظ، وأساليب مختلفة، فكذلك في هذا العصر يوجد من يُعفي لحيته، ومن يحلقها، ونحن مأمورون بمخالفة الحالقين، لا المعفين.

قال بعض المحقّقين: لو كانت القاعدة أن ما يفعله اليهود هو الواجب التحرّز لوجب علينا ترك الاختتان؛ لأن اليهود يختتنون.

وبالجملة فليست هذه الشبهة صادرة إلا من ذي هوى النفس، لا ممن له صلة بالدين، وغيرة عليه، فلا حول ولا قوّة إلا بالله العزيز الحكيم.

(ومنها): أن بعضهم يقول: إن أصحاب اللحى يَخدعون الناس بلحاهم، فجعلوا اللحى حبائل ووسائل لتحصيل متاع الدنيا؛ ليغترّ عامّة الناس بهم، ويظنّوا بهم أنهم أهل صلاح وخير، وهذا نوع من النفاق المنهيّ عنه في الإسلام.

قلنا: المكر والخديعة لا يختصّ بأصحاب اللحى، بل كثير ممن يخدعون الناس يَتظاهرون بمظاهر الإسلام، ككثرة الصلاة، والذكر، ونحو ذلك؛ للغرض المذكور، فهل هذا يبرر لنا أن نترك أفعال الخير كلّها من أجل أن بعض الأشرار يخدعون بها الناس؟ فهذا هو الانسلاخ من الدين بالكليّة.

وبالجملة فليس تظاهر بعض الناس المخادعين ببعض خصال الإسلام مبرّرًا لتركها، فلو كان فيهم من أعفى لحيته ليغترّ بها الناس، فلا يحلّ لنا أن نحلق لحانا، ونترك ما أمرنا به نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - لأجل هؤلاء المجرمين، بل يجب علينا أن نمتثل بأمره - صلى الله عليه وسلم -، ونقوم بإصلاح حالنا، وننصح المخادعين، لعل الله يهديهم على أيدينا، اللهم اهدنا فيمن هديت.