للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بريء … " الحديث (١)، أخرجه أبو داود (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا أطلق الكراهة في هذه الأشياء، وفي بعضها نظر لا يخفى؛ لأن أدلّة التحريم واضحة عليه، كعقد اللحية، فتأمل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في ذكر بعض شُبَهِ من يُخادعون أنفسهم بحلق لحيتهم، ودحضها:

(منها): قول بعضهم: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أعفى لحيته، وأمر به لأن قومه العرب كانوا يُعَفّون لحاهم، فاتبع - صلى الله عليه وسلم - ما راج في بيئته، ولم يُخالفهم، بل بعض الضلّال يزيد على هذا، فيقول: لو كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا العصر لحلق لحيته - والعياذ بالله -.

وهذا كله من دعاوي الجاهليّة، أوحاها إليهم الشيطان، لمجادلة أهل الحقّ، كما قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: ١٢١].

فالله - سبحانه وتعالى - أمر نبيّه - صلى الله عليه وسلم - باتّباع ملّة إبراهيم حنيفًا، وكذا أمر أمته بذلك، فالخصال التي كانت باقيةً في بني إسماعيل - عليه السلام - وهم العرب من أبيهم إبراهيم - عليه السلام - أخذها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وعمل بها؛ لأنها من ملّة إبراهيم، لا لأجل اتّباع عادات العرب المجرّدة، وإلا فكم من عادات العرب كانت سائدة حينما بُعث النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأبطلها، ولن يتّبعهم عليها، كالوشم، ووصل الشعر، وكقتل الأولاد، ووأد البنات، وعدم التستّر عند البول والغائط حتى عابه بعضهم، فقال: إنه يبول كما تبول المرأة، وكالربا، والنسيء في أشهر الحرم، وكالجناية على الوالد بجناية ولده، وبالعكس، والطواف عريانًا، والرجوع من مزدلفة في الحجّ، والمشي عريانًا، وبيع الملامسة، والمنابذة، وغير ذلك مما يُحصى من عادات العرب، جاء - صلى الله عليه وسلم - بإبطالها، ولم يقلّدهم فيها، بل إنما فعل - مما كانت


(١) راجع "الفتح" ١٠/ ٣٦٣.
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد (١٦٥٤٧)، وأبو داود برقم (٣٦)، والنسائيّ (٥٠٦٧)، بإسناد صحيح.