ولقد جمع إبراهيم عليه السلام هذه المعاني كلّها، وأحسن من قال في الْخُلّة: إنها صَفَاءُ المودّة التي توجب الاختصاص بتخلّل الأسرار، والغنى عن الأغيار. انتهى (١).
(اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ) قال القرطبيّ رحمه الله: قد فسّرها في الرواية الأخرى بما ليس كذبًا على التحقيق، ونحن نذكرها، ونبيّنها - إن شاء الله تعالى - فمنها قوله في الكوكب:{هَذَا رَبِّي}[الأنعام: ٧٦] ذكر المفسّرون أن ذلك كان في حال الطفوليّة في أول حال استدلاله، ثم إنه لَمّا تكامل نظره، وتمّ على السداد وضح له الحقّ، قال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)} [الأنعام: ٧٩].
قال القرطبيّ رحمه الله: وهذا لا يليق بالأنبياء عليهم السلام؛ لأن الله تعالى خصّهم بكمال العقل، والمعرفة بالله عز وجل، وسلامة الفطرة، والحماية عن الجهل بالله تعالى، والكفر من أول نشأتهم، وإلى تناهي أمرهم؛ إذ لم يُسمَع عن أحد مثهم أنه اعتقد مع الله إلهًا آخر، ولا اعتقد مُحالًا على الله تعالى، ولا ارتكب شيئًا من قبائح أُممهم الذين أُرسلوا إليهم، لا قبل النبوّة، ولا بعدها، ولو كان شيء من ذلك لقَرَعهم بذلك أُممهم لَمّا دعوهم إلى التوحيد، ولاحتجّوا عليهم بذلك، ولم يُنقَل شيء من ذلك، وأما بعد إرسالهم فكلّ ذلك محالٌ عليهم عقلًا على ما نبيّنه.
وقيل: إنه عليه السلام قال ذلك لقومه على جهة الاستفهام الذي يُقصد به التوبيخ لهم، والإنكار عليهم، وحُذفت همزة الاستفهام؛ اتّساعًا كما قال الشاعر [من الطويل]: