وقيل: إنما قال ذلك على طريق الاحتجاج على قومه؛ تنبيهًا على أن ما يتغيّر لا يصلح للربوبيّة.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا القول هو الأرجح في تأويل الآية، قال الإمام ابن كثير رحمه الله في "تفسيره":
وقد اختَلَفَ المفسرون في هذا المقام: هل هو مقامُ نظر، أو مناظرة؟ فرَوَى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، ما يقتضي أنه مقام نظر، واختاره ابن جرير، مُستدلًا بقوله:{لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي}[الأنعام: ٧٧] الآية، ثم قال ابن كثير رحمه الله:
والحقّ أن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - كان في هذا المقام مناظرًا لقومه، مُبَيِّنًا لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل، والأصنام، فَبَيَّن في المقام الأول مع أبيه خطأهم في عبادة الأصنام الأرضية، التي هي على صور الملائكة السماوية؛ ليشفعوا لهم إلى الخالق العظيم، الذي هو عند أنفسهم أحقر من أن يعبدوه، وإنما يتوسلون إليه بعبادة ملائكته؛ ليشفعوا لهم عنده في الرَّزق والنصر وغير ذلك، مما يحتاجون إليه، وبَيَّن في هذا المقام خطأهم وضلالهم في عبادة الهياكل، وهي الكواكب السّيّارة السبعة المتحيرة، وهي القمر، وعُطارد، والزُّهْرة، والشمس، والْمِرِّيخ، والمشتري، وزُحَل، وأشدهنّ إضاءةً وأشرفهنّ عندهم الشمس، ثم القمر، ثم الزهرة، فَبَيَّن أولًا - صلوات الله وسلامه عليه - أن هذه الزهرة لا تصلح للإلهية، فإنها مُسَخَرة مُقَدَّرة بسير معين، لا تزيغ عنه يمينًا ولا شمالًا، ولا تملك لنفسها تصرفًا، بل هي جِرْم من الأجرام، خلقها الله مُنِيرةً لما له في ذلك من الْحِكَم العظيمة، وهي تَطْلُع من المشرق، ثم تسير فيما بينه وبين المغرب، حتى تغيب عن الأبصار فيه، ثم تبدو في الليلة القابلة على هذا المنوال، ومثل هذه لا تصلح للإلهية، ثم انتقل إلى القمر، فَبَيَّن فيه مثل ما بيّن في النجم، ثم انتقل إلى الشمس كذلك، فلما