للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يُطِيقُونَ) أي لا يستطيعون الصبر عليه (وَمَا لَا يَحْتَمِلُونَ) أي لا يقدرون تحمّله، ولو بكُلفة ومشقّة (فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَلَا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ؟، أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ) أي ألا تتأملون، وَتتفكّرون، أو ألا تُبصرون (مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟) وفي نسخة: "إلى من يشفع لكم إلى ربكم" بزيادة "إلى".

والشفاعة أصلها الضمّ والجمع، ومنه ناقةٌ شَفُوعٌ: إذا جَمَعت بين حَلْبتين في حلبة واحدة، وناقة شافع إذا اجتمع لها حملٌ وولدٌ يتبعها، والشفع ضمّ واحد إلى واحد، والشُّفعة ضمّ ملك الشريك إلى ملكك، فالشفاعة إذن ضمّ غيرك إلى جاهك ووسيلتك، فهي على التحقيق إظهارٌ لمنزلة الشفيع عند المشفَّع، وإيصال منفعة إلى المشفوع له، قاله القرطبيّ رحمه اللهُ (١).

(فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَر، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ) فيه إثبات اليد لله تعالى حقيقة، على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، ولا نقول كما قال الشرّاح كالقرطبيّ: اللائق حملها هنا على القدرة؛ لأن هذا تأويل غير صحيح؛ لأن الله تعالى خلق آدم وغيره من المخلوقات بقدرته، فما وجه تخصيص آدم بها؟ وأيضًا فإن الذي أدّاهم إلى هذا التأويل هو ظنهم التشبيه، بالمخلوق، وهو موجود في القدرة المؤوّل بها، فإن القدرة يوصف بها المخلوق كما يوصف بها الله تعالى، فهم فرّوا من ورطة، فوقعوا في أخرى، والحقّ الذي عليه السلف إثبات ما أثبت الله تعالى من الصفات على الحقيقة، لا على المجاز، بلا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، قال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، فتبصّر، ولا تتهوّر، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ) قال القرطبيّ: الروح هنا هو المذكور في قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} [القدر: ٤]، وقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣)} [الشعراء: ١٩٣]، وشرّفه بالإضافة إليه، كما قال تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: ١٢]، وهو جبريل عليه السلام على قول أكثر المفسّرين: أي كان كلّ واحد منهما من نفخة الملك، فصار المنفوخ فيه ذا روح من ريح نفخته، ولا


(١) "المفهم" ١/ ٤٢٨.