للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال الهرويّ: قال أبو عبيد: معناه: ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى، حتى يأتي عليهم كلِّهم، وقال غير أبي عبيد: أراد: تَخْرِقُهم أبصار الناظرين؛ لاستواء الصعيد، والله تعالى قد أحاط بالناس أولًا وآخرًا. انتهى.

وقال صاحب "المطالع": معناه: أنه يُحيط بهم الناظر، لا يخفى عليه منهم شيءٌ؛ لاستواء الأرض، أي ليس فيها ما يَستتر به أحدٌ عن الناظرين، قال: وهذا أولى من قول أبي عبيد: يأتي عليهم بَصَرُ الرحمن سبحانه وتعالى؛ لأن رؤية الله تعالى تُحيط بجميعهم في كل حال، في الصعيد المستوي وغيره. انتهى.

وقال ابن الأثير الجزريّ رحمه الله بعد أن ذكر الخلاف في أن المراد بصر الرحمن سبحانه وتعالى، أو بصر الناظر من الخلق: قال أبو حاتم السِّجستانيّ: أصحاب الحديث يَرْوُونه بالذال المعجمة، وإنما هو بالمهملة: أي يبلغ أوّلَهُم وآخرَهم حتى يراهم كلَّهم، ويستوعبهم، مِنْ نَفَدَ الشيء، وأنفدته، قال: وحمل الحديث على بَصَر الناظر أولى من حمله على بصر الرحمن. انتهى (١).

قال النوويّ رحمه اللهُ بعد ذكر ما تقدّم: فَحَصَلَ خلافٌ في فتح الياء وضمها، وفي الذال والدال، وفي الضمير في "ينفذهم"، والأصح فتح الياء، وبالذال المعجمة، وأنه بَصرُ المخلوق. انتهى كلامه (٢)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ رحمه الله: معناه أنهم مُجتمعون مهتمّون بما هم فيه، لا يخفى منهم أحدٌ، بحيث إن دعاهم داعٍ أسمعهم، وإن نظر إليهم ناظر أدركهم، وَيحْتَمِلُ أن يكون الداعي هو الذي يدعوهم إلى العرض والحساب، أو أمر آخر، كقوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} [القمر: ٦]. انتهى (٣).

(وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ) بالنصب مفعولًا مقدّمًا، وفاعله "ما لا يُطيقون"، ولو رفع "الناس" على الفاعليّة، و"ما لا يطيقون" مفعوله لكان له وجه، وقوله: (مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ) بيان لـ"ما" مقدّم عليها (مَا) موصولة (لَا


(١) "النهاية" ٥/ ٩١.
(٢) "شرح مسلم" ٣/ ٦٦.
(٣) "المفهم" ١/ ٤٢٧.