شرّ الدجال، (فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ)؛ أي: يزيل عنها ما أصابها من غبار سفر الغزو، ووعثائه مبالغةً في إكرامهم، وفي التلطف بهم، أو المعنى: يكشف ما نزل بهم من آثار الكآبة والحزن على وجوطهم بما يَسُرّهم من خبره بقتل الدجال.
وقال القاضي عياض: يَحْتمل أن يكون هذا المسح حقيقة على ظاهره، فيمسح وجوههم تبركًا، وبرًّا، ويحتمل أنه إشارةٌ إلى كشف ما هم فيه من الشدّة والخوف. انتهى.
(وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ)؛ أي: بما أعدّه -عَزَّ وَجَلَّ- لهم من الدرجات بصبرهم، ومصابرتهم على فتن الدجّال.
(فَبَيْنَمَا هُوَ) أي الشأن، أو عيسى -عليه السلام- (كَذَلِكَ، إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى) -عليه السلام- (إِنِّي) بكسر الهمزة، وفتحها، (قَدْ أَخْرَجْتُ)؛ أي: أظهرت (عِبَادًا لِي)؛ أي: جماعة منقادة لقضائي، (لَا يَدَانِ)؛ أي: لا قدرة، ولا طاقة (لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ) وإنما عبّر عن الطاقة باليد؛ لأن المباشرة والمدافعة إنما تكون باليد، وثنّى مبالغةً، كأن يديه معدومتان لعَجْزه عن دفعه، ويمكن أن يكون في التثنية إيماء إلى العجز عنهما جميعًا. (فَحَرِّزْ) من التحريز، مأخوذ من الحرز؛ أي: احفظ، وضمّ (عِبَادِي إِلَى الطُّورِ)؛ أي: اجعله لهم حرزًا، والطور هو الجبل المعروف.
وقال القرطبيّ: قوله: "لا يدان": أي لا قدرة لأحد على قتال يأجوج ومأجوج، يقال: لا يد لفلان بهذا الأمر؛ أي: لا قوة.
وقوله:"فحرِّز عبادي إلى الطور": هذه الرواية الصحيحة بالزاي؛ أي: ارتحل بهم إلى جبل يحرزون فيه أنفسهم، والطور: الجبل بالسريانية. ويَحْتَمِل أن يكون ذلك هو طور سيناء، وقد رواه بعضهم: حوِّز بالواو، ولم تقع لنا هذه الرواية، ومعناها واضح، وهو بمعنى الأُولى. انتهى (١).
وقال النوويّ: قوله: "لا يدان" بكسر النون: تثنية يد، قال العلماء: معناه: لا قدرة، ولا طاقة، يقال: ما لي بهذا الأمر يد، وما لي به يدان؛ لأن