المباشرة والدفع إنما يكون باليد، وكأن يديه معدومتان؛ لعجزه عن دفعه، ومعنى حَرِّزهم إلى الطور؛ أي: ضمهم، واجعله لهم حرزًا، يقال: أحرزت الشيء أُحرزه إحرازًا: إذا حَفِظته، وضممته إليك، وصُنته عن الأخذ، ووقع في بعض النسخ:"حَزِّب" بالحاء والزاي، والباء؛ أي: اجمعهم، قال القاضي: ورُوي: حَوِّز بالواو، والزاي، ومعناه: نَحِّهم، وأزلهم عن طريقهم إلى الطور. انتهى.
(وَيَبْعَثُ)؛ أي: يُخرج (اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) بالهمزة، ودونها، وهما القبيلتان المعروفتان، تقدّم الكلام فيهما، وقوله:(وَهُمْ)؛ أي: جميع القبيلتين، على حدّ قوله تعالى:{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا}[الحج: ١٩](مِنْ كُلِّ حَدَبٍ) بفتحتين؛ أي: مكان مرتفِع من الأرض، (يَنْسِلُونَ) بفتح الياء، وكسر السين؛ أي: يسرعون.
وقال القرطبيّ: قد تقدّم القول في يأجوج ومأجوج في أول "كتاب الفتن"، والحدب: النشز من الأرض، وهي الآكام، والكداء، وينسلون: من النسلان، وهي مقاربة الخطو مع الإسراع، كمشي الذئب: إذا بادر، قاله القتبيّ. وقال الزجاج: ينسلون: يسرعون.
(فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ) بالإضافة، وبحيرة تصغير بحرة، وهي ماء مجتمع بالشام، طوله محشرة أميال، وطبرية بفتحتين: اسم موضع، وقيل: هي قصبة الأردن بالشام (١).
(فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ)؛ أي: البحيرة، أو البقعة (مَرَّةً)؛ أي: وقتًا من الأوقات الماضية (مَاءٌ) كثير، (وَيُحْصَرُ) بالبناء للمفعول؛ أي: يُحبس (نَبِيُّ اللَّهُ عِيسَى) -عليه السلام- (وَأَصْحَابُهُ) المؤمنون في جبل الطور، (حَتَّى يَكُونَ)؛ أي: يصير من شدة المحاصرة والمضايقة (رَأْسُ الثَّوْرِ)؛ أي: البقر، مع كمال رخصه في تلك الديار، (لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ) قال التوربشتيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ أي: تبلغ بهم الفاقة إلى هذا الحدّ، وإنما ذكر رأس الثور ليقاس البقية عليه في القيمة.