التحكيم عقب انتهاء القتال بصفين، وكان قتل عمار قبل ذلك قطعًا، فكيف يبعثه إليهم عليّ بعد موته؟
ثانيها: أن الذين بعث إليهم عليّ عمارًا إنما هم أهل الكوفة، بعثه يستنفرهم على قتال عائشة، ومن معها قبل وقعة الجمل، وكان فيهم من الصحابة جماعة، كمن كان مع معاوية وأفضل، فما فرّ منه المهلّب وقع في مثله، مع زيادة إطلاقه عليهم تسمية الخوارج، وحاشاهم من ذلك.
ثالثها: أنه شَرَح على ظاهر ما وقع في هذه الرواية الناقصة، ويمكن حمله على أن المراد بالذين يدعونه إلى النار: كفار قريش، كما صرح به بعض الشراح، لكن وقع في رواية ابن السكن، وكريمة، وغيرهما، وكذا ثبت في نسخة الصغاني ألتي ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري التي بخطه زيادة توضح المراد، وتفصح، بأن الضمير يعود على قَتَلته، وهم أهل الشام، ولفظه:"ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم. . ." الحديث.
واعلم أن هذه الزيادة لم يذكرها الحميديّ في "الجمع"، وقال: إن البخاري لم يذكرها أصلًا، وكذا قال أبو مسعود، قال الحميديّ: ولعلها لم تقع للبخاريّ، أو وقعت، فحذفها عمدًا، قال: وقد أخرجها الإسماعيليّ، والْبَرْقانيّ في هذا الحديث.
قال الحافظ: ويظهر لي أن البخاري حذفها عمدًا، وذلك لنكتة خفيّة، وهي أن أبا سعيد الخدريّ اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدلّ على أنها في هذه الرواية مدرجة، والرواية التي بيّنت ذلك، ليست، على شرط البخاريّ.
وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، فذكر الحديث في بناء المسجد، وحَمْلهم لبنة لبنة، وفيه: فقال أبو سعيد: فحدثني أصحابي، ولم أسمعه من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال:"يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية". انتهى. وابن سمية هو عمار، وسمية اسم أمه، وهذا الإسناد على شرط مسلم، وقد عيّن أبو سعيد من حدثه بذلك، ففي مسلم، والنسائيّ من طريق أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: حدّثني من هو خير مني، أبو قتادة، فذكره، فاقتصر البخاريّ على القَدْر الذي سمعه