الفتن، ولو عَلِم المرء أنه متمسك فيها بالحقّ؛ لأنها قد تفضي إلى وقوع من لا يرى وقوعه، قال ابن بطال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفيه ردّ للحديث الشائع: لا تستعيذوا باللَّه من الفتن، فإن فيها حصاد المنافقين، وقد سئل ابن وهب قديمًا عنه، فقال: إنه باطل.
٤ - (ومنهما): أن حديث: "تقتل عمارًا الفئة الباغية" رواه جماعة من الصحابة، منهم: قتادة بن النعمان، وأم سلمة، وأبو هريرة، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وعثمان بن عفان، وحذيفة، وأبو أيوب، وأبو رافع، وخزيمة بن ثابت، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وأبو اليَسَر، وعمار نفسه، وكلها عند الطبرانيّ وغيره، وغالب طرقها صحيحة، أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عدّهم، قاله في "الفتح"(١)، واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): قال في "الفتح": قوله: "ويقول -أي: في تلك الحال-: ويح عمار" هي كلمة رحمة، وهي بفتح الحاء، إذا أضيفت، فإن لم تُضِف جاز الرفع، والنصب، مع التنوين فيهما.
قال: فإن قيل: كان قَتْله بصفين، وهو مع عليّ، والذين قتلوه مع معاوية، وكان معه جماعة من الصحابة، فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار؟.
فالجواب: أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة، وهم مجتهدون، لا لوم عليهم في اتّباع ظنونهم، فالمراد بالدعاء إلى الجنة: الدعاء إلى سببها، وهو طاعة الإمام، وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة عليّ، وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك، وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك، لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم.
وقال ابن بطال تبعًا للمهلّب: إنما يصح هذا في الخوارج الذين بَعث إليهم عليّ عمارًا يدعوهم إلى الجماعة، ولا يصح في أحد من الصحابة، وتابعه على هذا الكلام جماعة من الشراح، قال الحافظ: وفيه نَظَر من أوجه:
أحدهما: أن الخوارج إنما خرجوا على علي بعد قَتْل عمار، بلا خلاف بين أهل العلم بذلك، فإن ابتداء أمر الخوارج كان عقب التحكيم، وكان