للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أقوال، فذكر القولين: الشفاعة والإجلاس، والثالث: إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة، قال القرطبيّ: هذا لا يغاير القول الأول، وأثبت غيره رابعًا، وهو ما أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح، عن سعيد بن أبي هلال، أحدِ صغار التابعين أنه بلغه أن المقام المحمود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكون يوم القيامة بين الجبار وبين جبريل، فيغبطه بمقامه ذلك أهلُ الجمع، قال الحافظ: وخامسًا، هو ما اقتضاه حديث حُذيفة - رضي الله عنه -، وهو ثناؤه على ربه، ولكنه لا يغاير الأول أيضًا، وحَكَى القرطبيّ سادسًا، وهو ما اقتضاه حديث ابن مسعود الذي أخرجه أحمد، والنسائيّ، والحاكم، قال: "يشفع نبيكم رابعَ أربعة: جبريل، ثم إبراهيم، ثم موسى، أو عيسى، ثم نبيكم، لا يشفع أحدٌ في أكثر مما يشفع فيه … " الحديث، وهذا الحديث لم يُصَرَّح برفعه، وقد ضعفه البخاريّ، وقال: المشهور قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أول شافع". قال الحافظ: وعلى تقدير ثبوته، فليس في شيء من طرقه التصريح بأنه المقام المحمود، مع أنه لا يغاير حديث الشفاعة في المذنبين، وجَوّز المحب الطبري سابعًا، وهو ما اقتضاه حديث كعب بن مالك، فقال بعد أن أورده: هذا يشعر بأن المقام الشفاعة، ثم قال: ويجوز أن تكون الإشارة بقوله: "فأقول" إلى المراجعة في الشفاعة، قال الحافظ: وهذا هو الذي يتجه، ويمكن رد الأقوال كلها إلى الشفاعة العامّة، فإن إعطاءه لواء الحمد، وثناءه على ربه، وكلامه بين يديه، وجلوسه على كرسيه، وقيامه أقرب من جبريل، كلُّ ذلك صفات للمقام المحمود الذي يشفع فيه؛ ليُقْضَى بين الخلق، وأما شفاعته في إخراج المذنبين من النار، فمن توابع ذلك.

واختُلِف في فاعل الحمد من قوله: {مَقَامًا مَحْمُودًا} فالأكثر على أن المراد به أهلُ الموقف، وقيل: النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أي أنه هو يحمد عاقبة ذلك المقام بتهجده في الليل، والأول أرجح؛ لما ثَبَت من حديث ابن عمر بلفظ: {مَقَامًا مَحْمُودًا} يحمده أهل الجمع كلهم، ويجوز أن يُحْمَل على أعمّ من ذلك: أي مقامًا يحمده القائم فيه، وكل مَن عرفه، وهو مطلق في كل ما يَجْلِب الحمد، من أنواع الكرامات، واستَحْسَن هذا أبو حيان، وأيّده بأنه نكرةٌ، فدَلّ على أنه ليس المراد مقامًا مخصوصًا.