للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

خيل صعدها، والمراد بالخيل هنا: الفُرسان؛ لأن الخيل يُطلق عليه، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الخَيْلُ: معروفة، وهي مؤنثة، ولا واحد لها من لفظها، والجمع خيول، قال بعضهم: وتُطلق الخَيْلُ على الْعِراب، وعلى الْبَرَاذين، وعلى الْفُرسان، وسُمِّيت خَيْلًا؛ لاختيالها، وهو إعجابها بنفسها مَرَحًا، ومنه يقال: اخْتَالَ الرجل، وبه خَيَلاءُ، وهو الكبر، والإعجاب. انتهى (١).

(ثُمَّ تَتَامَّ النَّاسُ) بتشديد الميم: تفاعل من التمام؛ أي: تتابعوا، وجاؤوا كلهم، وتَمُّوا؛ والمعنى: صَعِدوا الثنية كلُّهم. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَكُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ، إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الأَحْمَرِ") قال القاضي عياض: قيل: هذا الرجل هو الجدّ بن قيس المنافق (٢)، وقال القاري: هو عبد اللَّه بن أُبَيّ رئيس المنافقين، فالاستثناء منقطع، نحو جاء القوم إلا حمارًا، قال جابر -رضي اللَّه عنه-: (فَأَتَيْنَاهُ)؛ أي: ذلك الرجل، (فَقُلْنَا لَهُ: تَعَالَ) إلى مجلس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (يَسْتَغْفِرْ لَكَ) بالجزم على جواب الأمر، (رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) حتى يغفر لك، كما وعد بذلك فقال -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: ٦٤]. (فَقَالَ) الرجل غير مكترث بذلك: (واللَّه لأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي)؛ يعني: جمله الأحمر الذي كان ينشده، والضالّة بالهاء: الحيوان الضائع، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قيل للحيوان الضائع: ضالَّةٌ، بالهاء للذكر، والأنثى، والجمع الضَّوَالُّ، مئل دابةّ ودوابّ، ويقال لغير الحيوان: ضائعٌ، ولُقَطةٌ، وضَلَّ البعير: غاب، وخفي موضعه، وأَضلَلْتُهُ بالألف: فَقَدْته. انتهى (٣).

(أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ)؛ يعني: النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا غاية النفاق، وغاية الاستخفاف بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقد عبّر بقوله: "صاحبكم"؛ لأنه لا يراه صاحبًا له، كفى به شقيًّا.

وقال القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا كفر صريح منه، وقد أشار إليه قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ


(١) "المصباح المنير" ١/ ١٨٦.
(٢) "إكمال المعلم" ٨/ ٣١٢.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٣٦٣.