للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الخيرات، (مُعَذَّبًا) منصوب على أنه خبر "كان"، وقوله: (لَنُعَذَّبَنَّ) بضمّ النون، وتشديد الذال المعجمة، مبنيّ للمفعول، جواب القسم المقدّر، كما أسلفته، وقوله: (أَجْمَعُونَ) بالرفع توكيد لنائب فاعل "نعذّبنّ"، ووقع في رواية بلفظ: "أجمعين".

(فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) -رضي اللَّه عنهما-: (مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ الآيَةِ؟) "ما" استفهاميّة، والاستفهام هنا للإنكار؛ أي: أيُّ شيء ثبت لكم، ولهذه الآية؛ يعني: أنها ليست لكم، وإنما هي لأهل الكتاب، كما بيّنه بقوله: ("إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أهْلِ الْكِتَابِ) قال في "العمدة": هذا إنكار من ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- على السؤال بهذه المسألة على الوجه المذكور، وأن أصل هذا أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا يهود إلى آخره.

وحاصل شبهة مروان أن كلًّا منّا يفرح بما يعمل من الخير، وربّما يُحبّ أن يُحمد بما لم يعمل، وإن اللَّه سبحانه وتعالى قد ذمّ هذا الصنيع، وأخبر أنه موجب للعقاب، ونتيجة ذلك أن يكون كل منّا معذّبًا.

وحاصل جواب ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- أن هذه الآية نزلت في اليهود الذين كانوا يكتمون أشياء من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويفرحون بكتمانهم، ويُظهرون له خلاف الواقع، ويحبون أن يحمدهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والمسلمون على ما أظهروه من خلاف الواقع، فالموجب للعقاب هو فرحهم بكتمان الحقيقة، وحبّهم للحمد على كذبهم، أما فرح المسلمين بما فعلوه من الحسنة، فهو عاجل بشرى المؤمن، كما جاء في الحديث (١)، إذا لم يكن على وجه العُجْب والكِبْر (٢)، واللَّه تعالى أعلم.

(ثُمَّ تَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ) -رضي اللَّه عنهما- قوله تعالى: ({وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ})، وقوله: (هَذِهِ الآيَةَ)؛ أي: قرأ ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- هذه الآية بتمامها، وتمامها قوله تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: ١٨٧].


(١) أخرج مسلم في "صحيحه" عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: قيل لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: "تلك عاجل بشرى المؤمن".
(٢) راجع: "تكملة فتح الملهم" ٦/ ١٠٠.