للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أخف الطير، وأحقره، وهو مما يُعايَن، ويُدفَع بأقل الأشياء، قال: وفي ذِكر الأنف مبالغة في اعتقاده خفة الذنب عنده؛ لأن الذباب قلّما بينزل على الأنف، وإنما يقصد غالبًا العين، قال: وفي إشارته بيده تأكيد للخفة أيضًا؛ لأنه بهذا القَدْر اليسير يُدفع ضرره، قال: وفي الحديث ضَرْب المثل بما يمكن، والإرشاد إلى الحضّ على محاسبة النفس، واعتبار العلامات الدالة على بقاء نعمة الإيمان، وفيه أن الفجور أمر قلبيّ كالإيمان، وفيه دليل لأهل السُّنَّة؛ لأنهم لا يُكَفِّرون بالذنوب، وردّ على الخوارج وغيرهم، ممن يكفِّر بالذنوب.

وقال ابن بطال: يؤخذ منه أنه ينبغي أن يكون المؤمن عظيم الخوف من اللَّه تعالى من كل ذنب صغيرًا كان، أو كبيرًا؛ لأن اللَّه تعالى قد يعذّب على القليل، فإنه لا يُسأل عما يفعل سبحانه وتعالى. انتهى من "الفتح" (١).

وقوله: (وَحَدِيثًا)؛ أي: حدّثنا عبد اللَّه حديثًا (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قَالَ) عبد اللَّه: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لَلَّه) بلام التأكيد المفتوحة، وهي لام الابتداء، (أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ) وفي رواية البخاريّ: "للَّه أفرح بتوبة العبد"، قال الطيبيّ نقلًا عن المظهر: معناه: أرضى بالتوبة، وأقبل لها، والفرح المتعارف في نعوت بني آدم غير جائز على اللَّه تعالى، إنما معناه الرضى، قال: والمتقدّمون من أهل الحديث فَهِموا منها ما وقع الترغيب فيه من الأعمال، والإخبار عن فضل اللَّه عزَّ وجلَّ، وأثبتوا هذه الصفات للَّه تعالى، ولم يشتغلوا بتفسيرها (٢) مع اعتقادهم أن اللَّه سبحانه وتعالى منزَّه عن صفات المخلوقين، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١].

ثم قال الطيبيّ: أقول: هذا هو المذهب المحتاط، وقلّما يزيغ عنه قَدَم الراسخ، ثم ذكر مذهب المشتغلين بالتأويل، فلم يُحْسن، حيث لم يتعقّبه


(١) "الفتح" ١٤/ ٢٩٢ - ٢٩٣.
(٢) إن أراد تفسير الكيفيَّة، فنعم، وإن أراد تفسير المعنى، فباطل، فإن أهل الحديث يشتغلون بتفسير معاني الصفات، وإثباتها بحقيقة معانيها للَّه سبحانه وتعالى، وإن يجهلون، ويفوّضون علم كيفيّتها، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فتنبّه، ولا يهولنّك إرجاف المرجفين، واللَّه تعالى وليّ التوفيق.