للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

[فإن قلت]: ما التوفيق بين هذا القول، وقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَلَّه أفرح"؟.

[قلت]: لَمّا بالغ في احتراز المؤمن، وخوفه من الذنوب، وصوّره بتلك الصورة الفظيعة الهائلة تصوّر أنه طلب ملجأ وكهفًا يلوذ إليه من ذلك الهول، فقيل له: ليس ذلك الملجأ والمفزع إلا إلى اللَّه تعالى؛ لأنه أفرح إلى آخره، وذِكر الفاجر وارد على سبيل الاستطراد، كما في قوله تعالى: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: ١٢] بعد قوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ} [فاطر: ١٢]؛ لأن البحرين تمثيل للمؤمن والكافر. انتهى كلام الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقوله: "وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب" في رواية أبي الربيع الزهرانيّ عن أبي شهاب، عند الإسماعيليّ: "يرى ذنوبه كأنها ذباب مَرّ على أنفه"؛ أي: ذنبه سهل عنده، لا يعتقد أنه يحصل له بسببه كبير ضرر، كما أن ضرر الذباب عنده سهل، وكذا دَفْعه عنه، والذباب -بضم المعجمة، وموحدتين: الأولى خفيفة، بينهما ألف- جمع ذبابة، وهي الطير المعروف.

وقوله: "فقال به هكذا"؛ أي: نَحّاه بيده، أو دَفَعه، وهو من إطلاق القول على الفعل، قالوا: وهو أبلغ.

وقوله: "قال أبو شهاب" هو موصول بالسند المذكور.

وقوله: "بيده على أنفه" هو تفسير منه لقوله: "فقال به". قال المحبّ الطبريّ: إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من اللَّه، ومن عقوبته؛ لأنه على يقين من الذنب، وليس على يقين من المغفرة، والفاجر قليل المعرفة باللَّه، فلذلك قَلّ خوفه، واستهان بالمعصية.

وقال ابن أبي جمرة: السبب في ذلك أن قلب الفاجر مظلم، فوقوع الذنب خفيف عنده، ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وُعظ يقول: هذا سهل، قال: ويستفاد من الحديث أن قلة خوف المؤمن ذنوبه، وخِفَّته عليه يدلّ على فجوره، قال: والحكمة في تشبيه ذنوب الفاجر بالذباب، كون الذباب


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ١٨٥٧.