للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الموقوف، والثاني هو المرفوع، وهو كذلك، ولم يقف ابن التين على تحقيق ذلك، فقال أحد الحديثين عن ابن مسعود، والآخر عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يزد في الشرح على الأصل شيئًا، وأغرب الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في "مختصره"، فأفرد أحد الحديثين من الآخر، وعبَّر في كل منهما بقوله: عن ابن مسعود، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وليس ذلك في شيء من نُسخ البخاريّ، ولا التصريح برفع الحديث الأول إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في شيء من نُسخ كتب الحديث إلا ما قرأت في "شرح مغلطاي" أنه رُوي مرفوعًا من طريق وهّاها أبو أحمد الجرجانيّ؛ يعني: ابن عديّ. انتهى.

وقوله: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه" قال ابن أبي جمرة (١): السبب في ذلك أن قلب المؤمن منوَّر، فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينوّر به قلبه عَظُم الأمر عليه، والحكمة في التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النجاة منه، بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة، وحاصله: أن المؤمن يغلب عليه الخوف؛ لقوة ما عنده من الإيمان، فلا يأمن العقوبة بسببها، وهذا شأن المسلم أنه دائم الخوف، والمراقبة يستصغر عمله الصالح، ويخشى من صغير عمله السيئ.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "يرى ذنوبه" المفعول الثاني محذوفٌ؛ أي: كالجبال، بدليل قوله: "كذباب"، ويجوز أن يكون "كأنه" مفعولًا ثانيًا، والتشبيه تمثيل، شبّه حالة ذنوبه، وأنها مهلكة له بحالته إذا كان تحت جبل على منوال قوله [من الطويل]:

وَمَا النَّاسُ إِلَّا كَالدِّيَارِ وَأَهْلِهَا … بِهَا يَوْمَ حَلُّوهَا وَغَدْوًا بَلَاقِعُ

لم يُشبّه الناس بالديار، وإنما شبّه وجودهم في الدنيا، وسُرعة زوالهم بحلول أهل الديار، وأوشك نهوضهم عنها، وتَرْكها خلاء خاويةً، دلّ التمثيل الأول على غاية الخوف والاحتراز من الذنوب، والثاني على نهاية قلة المبالاة، والاحتفال بها.


(١) "بهجة النفوس" ٤/ ٢٠٠.