للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والسادسُ رَبُّ بالضمّ؛ إجراء له مجرى المفرد؛ اكتفاءً بنيّة الإضافة (١)، والله تعالى أعلم.

(اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّار، فَإِنَّهُ) الضمير للشأن (قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا) - بفتح القاف، والشين المعجمة المخففة، وحُكِي التشديد، ثم باء موحدة -: أي آذاني، وغيّر جلدي، وصُورتي، وسوّدني، وأحرقني، قاله الحربيّ، والجوهريّ، وقال الخطابيّ: قَشَبَه الدخان: إذا مَلأ خَيَاشيمه، وأخذ بِكَظَمِهِ (٢)، وأصل الْقَشْب: خَلْطُ السم بالطعام، يقال: قَشَبه: إذا سَمَّهُ، ثم استُعْمِل فيما إذا بلغ الدخان، والرائحة الطيبة منه غايته.

وقال النوويّ: معنى قَشَبَني: سَمَّني، وآذاني، وأهلكني، هكذا قاله جماهير أهل اللغة، وقال الداوديّ: غَيَّر جلدي، وصورتي.

قال الحافظ: ولا يخفى حسن قول الخطابيّ، وأما الداوديّ فكثيرًا ما يفسر الألفاظ الغريبة بلوازمها، ولا يحافظ على أصول معانيها.

وقال ابن أبي جمرة: إذا فسرنا الْقَشْب بالنَّتَن والْمُسْتَقْذَر كانت فيه إشارة إلى طيب ريح الجنة، وهو من أعظم نعيمها، وعكسها النار في جميع ذلك.

وقال ابن القَطّاع: قَشَبَ الشيءَ: خَلَطه بما يُفْسِده من سُمّ أو غيره، وقَشَبَ الإنسانَ: لطخه بسوء كأن اغتابه وعابه، وأصله السّمّ، فاستُعمِل بمعنى: أصابه المكروه، إذا أهلكه، أو أفسده، أو غَيَّره، أو أزال عقله، أو تقذَّره هو، والله تعالى أعلم. انتهى (٣).

(وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا) قال القاضي عياض - رحمه الله -: روايتنا في مسلم بالمدّ، والمشهور الْقَصْرُ، وحَكَى أبو حنيفة الدِّينَوَريّ - رحمه الله - فيه المدّ، وخطّأه عليّ بن حمزة، قال المازري: أي تلهّبها، وقال ابن قتيبة: اشتعالها، قال ابن ولاد: الذَّكَا: تلهّب النار مقصور. انتهى كلام القاضي (٤).

وقال في "الفتح": قوله: "وأحرقني ذكاؤها": كذا للأصيليّ، وكريمة هنا


(١) راجع: "شرح ابن عقيل على الخلاصة، مع حاشية الخضريّ" ٢/ ١٢٢ - ١٢٣.
(٢) "الْكَظَمُ" محرّكةً: الْحَلْقُ، أو الفم، أو مخرج النفَسِ. انتهى. "القاموس" ص ١٠٤١.
(٣) "الفتح" ١١/ ٤٦٧.
(٤) "إكمال المعلم" ٢/ ٨٠٣ - ٨٠٤.