بالمد، وكذا في رواية إبراهيم بن سعد، وفي رواية أبي ذَرّ وغيره:"ذَكَاها" بالقصر، وهو الأشهر في اللغة، وقال ابن القطاع: يقال: ذَكَت النارُ تذكو ذَكًا بالقصر، وذُكُوًّا بالضم وتشديد الواو: أي كَثُرَ لَهَبُها، واشتدّ اشتعالها ووَهَجُها، وأما ذَكَا الغلامُ ذَكَاءً بالمدّ، فمعناه: أسرعت فِطْنته.
وقال النوويّ: المدّ والقصر لغتان، ذكره جماعة فيها.
وتعقّبه مغلطاي بأنه لم يوجد عن أحد من المصنفين في اللغة، ولا في الشارحين لدواوين العرب حكاية المدّ إلا عن أبي حنيفة الدِّينَوريّ في "كتاب النبات" في مواضع منها ضربُ العرب المثلَ بِجَمْرِ الْغَضَا لذكائه، قال: وتعقّبه علي بن حمزة الأصبهانيّ، فقال: ذَكَا النارِ مقصور، ويكتب بالألف؛ لأنه واويّ، يقال: ذَكَت النارُ تَذْكُو ذُكُوًّا وذَكَا النار، وذُكُوّ النار بمعنىً، وهو التهابها، والمصدر ذَكًا، وذُكُوّ، وذَكْوٌ بالتخفيف والتثقيل، فأما الذّكَاء بالمد: فلم يأت عنهم في النار، وإنما جاء في الفَهْم.
وقال قرقول في "المطالع" وعليه يَعْتَمِد الشيخ: وقع في مسلم: "فقد أحرقني ذَكَاؤها" بالمد، والمعروف في شدّة حر النار القصر، إلا أن الدينوريّ ذكر فيه المدّ، وخَطّاه علي بن حمزة، فقال: ذَكَتِ النارُ ذَكًا وذُكُوًّا، ومنه طيب ذَكِيّ: منتشر الريح، وأما الذكاء بالمد: فمعناه تمام الشيء، ومنه ذكاء القلب.
وقال صاحب "الأفعال": ذكا الغلام والعقل: أسرع في الفِطْنة، وذَكَا الرجلُ ذَكَاءً من حِدّة فكره، وذكت النارُ ذَكًا بالقصر: توقّدت. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: أبو حنيفة الدينوريّ (١) إمام مشهور في اللغة ثقةٌ في نقله، فما قاله من جواز المدّ والقصر في ذَكا النار هو الصواب؛ لأن من حفِظَ حجة على من لم يحفظ.
والحاصل أنه بعد صحّة الوجهين على ما نقله المحقّقون من المحدّثين،
(١) هو: أحمد بن داود الدِّينوريّ، كان نحويًّا لغويّا مع الهندسة والحساب، راويةً ثقة، ورعًا زاهدًا، إمامًا في مذهب الكوفيين والبصريين، من مصئفاته "تفسير القرآن"، "الفصاحة"، "لحن العامّة"، "الشعر والشعراء"، "النبات". توفي (٢٨٢ هـ) وقيل غير ذلك. انظر "بغية الوعاة" ١/ ٣٠٦.