قال: ويَحْتَمِل أن يشير بذلك إلى أن الذي يُباشر الماء - يعني: الذي يُرَشّ عليهم - تشتدّ سُرعة نُصُوعه، وأن غيره يتأخر عنه البياض، لكنه يسري إليه سريعًا. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١).
(ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ) أي ثانيًا، يعني يُكمل إخراج الموحّدين من النار (وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّار، وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ) وقع في حديث حُذيفة - رضي الله عنه - وصفُ هذا الرجل أنه كان نَبّاشًا، وذلك فيما أخرجه البخاريّ في أخبار بني إسرائيل:"أن رجلًا كان يسيء الظن بعمله، فقال لأهله: أحرقوني … " الحديث، وفي آخره:"كان نبّاشًا"، ووقع في حديث حذيفة عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - عند أحمد، وأبي عوانة، وغيرهما: وفيه: "ثم يقول الله: انظروا هل بقي في النار أحدٌ، عَمِلَ خيرًا قطّ؟، فيجدون رجلًا، فيقال له: هل عملت خيرًا قطّ؟، فيقول: إني كنت أُسامح الناس في البيع … " الحديث، وفيه:"ثم يُخرجون من النار رجلًا آخر، فيقال له: هل عملت خيرًا قطّ؟ فيقول: إني أَمرت ولدي: إذا مِتّ فأحرقوني … " الحديث، وجاء من وجه آخر أنه كان يسأل الله أن يُجيره من النار، ولا يقول:"أدخلني الجنة"، أخرجه الحسين المروزي في زيادات "الزهد" لابن المبارك، من حديث عوف الأشجعيّ، رفعه:"قد عَلِمتُ آخر أهل الجنة دخولًا الجنة، رجلٌ كان يسأل الله أن يجيره من النار، ولا يقول: أدخلني الجنة، فماذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، بقي بين ذلك، فيقول: يا رب قَرِّبني من باب الجنة، أنظر إليها، وأَجِدُ من رِيحها، فيُقَرِّبه، فيرى شجرة … " الحديث، وهو عند ابن أبي شيبة أيضًا، قال الحافظ - رحمه الله -: وهذا يقوّي التعدد، لكن الإسناد ضعيف.
وذَكَر القاضي عياض - رحمه الله - أنه جاء في حديث آخر:"إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا من النار، وآخر أهل الجنّة دخولًا فيها"، قال: فيحتمل أنهما اثنان، إما شخصان، وإما نوعان، أو جنسان، وعبّر فيه بالواحد عن الجماعة؛ لاشتراكهم في الحكم الذي كان سبب ذلك.