للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الانغمار؛ لأن تلك الأحوال الأُخروية خارجة عن قياس أحوال أهل الدنيا.

ودَلّ التنصيص على دارات الوجوه أن الوجه كله لا تؤثر فيه النار؛ إكرامًا لمحل السجود، ويُحمل الاقتصار عليها على التنويه بها؛ لشرفها.

وقد استنبط ابن أبي جمرة من هذا الحديث أن من كان مسلمًا، ولكنه كان لا يصلي لا يخرج؛ إذ لا علامة له، لكن يُحْمَل على أنه يَخرج في القبضة؛ لعموم قوله: "لم يعملوا خيرًا قطّ"، وهو مذكور في حديث أبي سعيد الآتي، وهل المراد بمن يَسْلَم من الإحراق مَن كان يَسجُد، أو أعمّ من أن يكون بالفعل أو القوّة؟ الثاني أظهر؛ لِيَدْخُل فيه مَن أسلم مثلًا، وأخلص، فَبَغَته الموت قبل أن يسجد.

قال الحافظ: ووجدت بخط أبي رحمه الله تعالى، ولم أسمعه منه، من نظمه ما يوافق مختار النوويّ، وهو قوله [من الكامل]:

يَا رَبٌّ أَعْضَاءَ السُّجُودِ عَتَقْتَهَا (١) … مِنْ عَبْدِكَ الْجَانِي وَأَنْتَ الْوَاقِي

وَالْعِتْقُ يَسْرِي بِالْغِنَى يَا ذَا الْغِنَى … فَامْنُنْ عَلَى الْفَانِي بِعِتْقِ الْبَاقِي (٢)

(فَيُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ) ببناء الفعل للمفعول، وقوله: (وَقَدِ امْتَحَشُوا) جملة في محلّ نصب على الحال: أي حال كونهم ممتحشين، قال القرطبيّ - رحمه الله -: صوابه: بفتح التاء والحاء، ومعناه: احترقوا، يقال: امتحش الْخُبز: أي احترق، ويقال: مَحَشَته النار، وأمحشته، والمعروف: أمحشَهُ، قال صاحب "العين": وقد رواه بعضهم: "امتُحِشُوا" مبنيًّا لما لم يُسَمّ فاعله: أي أُحرِقوا، والصواب الأول. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": "امتَحَشُوا" بفتح المثنّاة، وضمّ المعجمة: أي احترقوا، والْمَحْشُ: احتراق الجلد، وظهور العظم، قال عياض: ضبطناه عن متقني شيوخنا، وهو وجه الكلام، وعند بعضهم بضم المثنّاة، وكسر الحاء،


(١) هكذا النسخة "عتَقتها" ثلاثيًّا، وهو الموافق للوزن، لكن لم أر من قال من أهل اللغة: إن الثلاثيّ يتعدّى، بل صرّح في "المصباح " (٢/ ٣٩٢) بأنه لا يتعدّى، وإنما المتعدّي "أعتق" رباعيًّا، فليُنظر، والله تعالى أعلم.
(٢) "الفتح" ١١/ ٤٦٥.
(٣) "المفهم" ١/ ٤٢١ - ٤٢٢.