قال الحافظ: الأول أولى، ويَعْكُر على الثاني أنه يُكتَفَى بلفظ جامع، كأن يقول مثلًا: ونؤمن برسله، وقد تمسك بظاهره بعض المبتدعة، ممن زَعَمَ أن من وَحّد الله من أهل الكتاب يخرج من النار، ولو لم يؤمن بغير مَن أُرسل إليه، وهو قول باطلٌ، فإن مَن جَحَد الرسالة كَذَّب الله، ومن كَذَّب الله لم يوحده (١).
(فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ) أي عرف الملائكة الذين أمروا بإخراجهم، وقوله:(يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ) جملة مستأنفة، استئنافًا بيانيًّا، وهو ما وقع جوابًا لسؤال مقدّر، تقديره: بأي علامة يعرفونهم، ويُميّزونهم عن غيرهم؟، فأجاب بأنهم يَعرفونهم بأثر السجود.
وفي رواية البخاريّ:"فيعرفونهم بعلامة آثار السجود"، قال الزين ابن الْمُنَيِّر - رحمه الله -: تُعْرَف صفة هذا الأثر مما وَرَد في قوله - سُبحانهُ تعالى - {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} الآية [الفتح: ٢٩]؛ لأن وجوههم لا تؤثر فيها النار، فتبقى صفتها باقية، وقال غيره: بل يَعرفونهم بالْغُرّة، وفيه نظرٌ؛ لأنها مختصة بهذه الأمة، والذين يُخْرَجون أعم من ذلك.
(تَأُكُلُ النَّارُ مِنِ ابْنِ آدَمَ إِلَّا أثَرَ السُّجُودِ) وقوله: (حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأكُلَ أثَرَ السُّجُودِ) علّة لعدم أكل النار أثر السجود: أي لأن الله تعالى حرّم على النار أكل أثر سجود بني آدم.
وقال في "الفتح": هو جواب عن سؤال مقدر، تقديره: كيف يعرفون أثر السجود مع قوله في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عند مسلم:"فأماتهم الله إماتةً، حتى إذا كانوا فَحْمًا أَذِن الله بالشفاعة"، فإذا صاروا فَحْمًا كيف يتميز محل السجود من غيره، حتى يُعْرَف أثره؟.
وحاصل الجواب تخصيص أعضاء السجود من عموم الأعضاء التي دَلّ عليها خبر أبي سعيد - رضي الله عنه -، بأن الله منع النار أن تُحْرِق أثر السجود من المؤمن.
وهل المراد بأثر السجود نفس العضو الذي يَسْجُد، أو المراد مَن سَجَد؟ فيه نظرٌ، والثاني أظهر.