قال الطيبيّ - رحمه الله -: هذا يؤذن بأن كلّ ما قُدِّر قبل ذلك بمقدار شعيرة، ثم حبة، ثم خردلة، ثم ذَرّة، غيرُ الإيمان الذي يُعَبَّر به عن التصديق والإقرار، بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان، وهو على وجهين:
[أحدهما]: ازدياد اليقين، وطمأنينة النفس؛ لأن تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه، وأثبت لعدمه.
[والثاني]: أن يراد العملُ، وأن الإيمان يزيد وينقص بالعمل، وينصر هذا الوجه قوله في حديث أبي سعيد:"لم يعملوا خيرًا قطّ".
وقال البيضاويّ: وقوله: "ليس ذلك لك": أي أنا أفعل ذلك تعظيمًا لاسمي، وإجلالًا لتوحيدي، وهو مخصِّصٌ لعموم حديث أبي هريرة - رحمه الله -: "أسعد الناس بشفاعتي مَن قال: لا إله إلا الله مخلصًا"، قال: ويحتمل أن يُجْرَى على عمومه، ويُحْمَل على حال، ومقام آخر.
وقال الطيبيّ: إذا فسرنا ما يختص بالله تعالى بالتصديق المجرّد عن الثمرة، وما يختص برسوله - صلى الله عليه وسلم - هو الإيمان مع الثمرة من ازدياد اليقين، أو العمل الصالح حصل الجمع.
وقال الحافظ: ويحتمل وجهًا آخر، وهو أن المراد بقوله:"ليس ذلك لك" مباشرةُ الإخراج، لا أصل الشفاعة، وتكون هذه الشفاعة الأخيرة وقعت في إخراج المذكورين، فأجيب إلى أصل الإخراج، ومُنِع من مباشرته، فنُسبت إلى شفاعته في حديث:"أسعد الناس"؛ لكونه ابتدأ بطلب ذلك، والعلم عند الله تعالى. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أرجح الاحتمالات عندي، وأقربها ما قاله البيضاويّ - رحمه الله -، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
(مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَنْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) قال القرطبيّ - رحمه الله -: لم يذكر الرسالة إما لأنهما لَمّا تلازما في النطق غالبًا وشَرْطًا اكتَفَى بذكر الأولى، أو لأن الكلام في حقّ جميع المؤمنين: هذه الأمة وغيرها، ولو ذُكِرت الرسالة لكَثُر تعداد الرسل.