ثم ذكر عن الحسن البصريّ أنه قال: لو كان ما يقوله الجعد حقًّا لبلّغه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (١).
وقال الألوسيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ} إلى الثقلين كافّةً، وهو نداء تشريف؛ لأن الرسالة منّة الله تعالى الْعُظمي، وكرامته الكبرى، وفي هذا العنوان إيذانٌ أيضًا بما يوجب الإتيان بما أُمر به - صلى الله عليه وسلم - من تبليغ ما أُوحي إليه، {بَلِّغْ} أي أوصِل {مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} أي جميع ما أُنزل كائنًا ما كان {مِنْ رَبِّكَ} أي مالك أمرك، ومبلّغك إلى كمالك اللائق بك، وفيه عِدَةٌ ضِمنيّةٌ بحفظه - صلى الله عليه وسلم -، وكلاءته، أي بلّغه غير مراقب في ذلك أحدًا، ولا خائف أن ينالك مكروه أبدًا، {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ} أي ما أُمرت به من تبليغ الجميع {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} أي في أدّيت شيئًا من رسالته؛ لما أن بعضها ليس بأولى بالأداء من بعض، فإذا لَمْ تؤدّ بعضها، فكأنك أغفلت أداءها جميعًا، كما أن من لَمْ يؤمن ببعضها كان كمن لَمْ يؤمن بكلّها؛ لإدلاء كلّ منها بما يُدليه غيرها، وكونها لذلك في حكم شيء واحد، والشيء الواحد لا يكون مبلَّغًا غير مبلَّغ، مؤمَنًا به، غيرَ مؤمَنٍ به، ولأن كتمان بعضها يضيّع ما أُدّي منها، كترك بعض أركان الصلاة، فإن غرض الدعوة ينتقض به.
قال: ومما ذكرنا في تفسير الشرطيّة يُعلَم أن لا اتّحاد بين الشرط والجزاء، ومن ادّعاه بناءً على أن المآل: إن لَمْ تُبلّغ الرسالة لَمْ تُبلِّغ الرسالة، جعله نظير:
أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي
حيث جَعل فيه الخبر عين المبتدأ بلا مزيد في اللفظ، وأراد: وشعري شعري المشهور بلاغته، والمستفيضة فصاحته، ولكنه أخبر بالسكوت عن هذه الصفات التي بها تحصل الفائدة أنَّها من لوازم شعره في أفهام الناس السامعين؛ لاشتهاره بها، وأنه غنيّ عن ذكرها؛ لشهرتها وذِياعها، وكذلك - كما قال ابن الْمُنَيّر - أريد في الآية؛ لأن عدم تبليغ الرسالة أمرٌ معلومٌ عند الناس مستقرّ في الأفهام أنه عظيم، شنيعٌ، ينعى على مرتكبه، ألا ترى أن عدم نشر
(١) "الفتح" ١٣/ ٥١٣ "كتاب التوحيد" رقم الحديث (٧٥٣١).