للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

العلم من العالم أمرٌ فظيع، فكيف كتمان الرسالة من الرسول؟، فاستغنى عن ذكر الزيادات التي يتفاوت بها الشرط والجزاء؛ للصوقها بالجزاء في الأفهام، وأن كلَّ من سمع عدم تبليغ الرسالة فَهِم ما وراءه من الوعيد والتهديد، وحسن هذا الأسلوب في الكتاب العزيز بذكر الشرط عامًّا، حيث قال - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ}، ولم يقل: وإن لَمْ تبلّغ الرسالة في بلّغت الرسالة؛ ليتغايرا لفظًا، وإن اتّحدا معني، وهذا أحسن رونقًا، وأظهر طلاوةً من - تكرار اللفظ الواحد في الشرط والجزاء، وهذه الذروة انحطّ عنها أبو النجم بذكر المبتدأ بلفظ الخبر، وحُقّ له أن تتضاءل فصاحته عند فصاحة المعجز، فلا معاب عليه في ذلك. انتهى كلام الألوسيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

(قَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها - (وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ) هكذا في رواية المصنّف: "ومن زعم أنه يُخبر … إلخ" بالضمير، وهو عائد على محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ومن الغريب أن ابن التين نقل عن الداوديّ أنه قال: قوله في هذا الطريق: "من حدثك أن محمدًا يعلم الغيب" ما أظنه محفوظًا، وما أحد يَدَّعِي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم من الغيب إلَّا ما عُلِّم. انتهى.

قال الحافظ: وليس في الطريق المذكورة هنا التصريح بذكر محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإنما وقع فيه بلفظ: "من حدَّثك أنه يَعْلَم"، وأظنه بَنَى على أن الضمير في قول عائشة: "من حدثك أنه" لمحمد - صلى الله عليه وسلم - لتقدم ذكره في الذي قبله، حيث قالت: "مَن حدَّثك أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه، ثم قالت: من حَدَّثك أنه يعلم ما في غد".

ووقع في رواية إبراهيم النخعيّ، عن مسروق، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ثلاث من قال واحدةً منهنّ، فقد أعظم على الله الفرية: من زعم أنه يعلم ما في غد … "الحديث، أخرجه النسائيّ، وظاهر هذا السياق أن الضمير للزاعم، ولكن وَرَدَ التصريح بأنه لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه ابن خزيمة، وابن حبان، من طريق عبد ربه بن سعيد، عن داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، بلفظ: "أعظمُ الفرية على الله مَن قال: إن محمدًا رأى ربه، وإن محمدًا كَتَمَ شيئًا من الوحي -،


(١) "روح المعاني" ٦/ ١٨٨ - ١٨٩.