للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} كما ينزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَام - وغيره من الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} فهو علي عليم خبير حكيم. انتهى (١).

وقال في "الفتح": قوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ـ والآية، هذا دليل ثانٍ استَدَلّت به عائشة - رضي الله عنها - على ما ذهبت إليه من نفي الرؤية، وتقريره أنه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - حصر تكليمه لغيره في ثلاثة أوجه: وهي الوحي بأن يُلْقِي في رُوعه ما يشاء، أو يكلِّمة بواسطة من وراء حجاب، أو يرسل إليه رسولًا، فيبلغه عنه، فيستلزم ذلك انتفاء الرؤية عنه حالة التكلم.

والجواب أن ذلك لا يستلزم نفي الرؤية مطلقًا، قاله القرطبيّ، قال: وعامة ما يقتضي نفي تكليم الله على غير هذه الأحوال الثلاثة، فيجوز أن التكليم لَمْ يقع حالة الرؤية. انتهى (٢).

(قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ الله، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، وَاللهُ يَقُولُ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: ٦٧] قال في "الفتح": ظاهره اتّحاد الشرط والجزاء؛ لأن معنى {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ} لم تبلّغ، لكن المراد من الجزاء لازمه، فهو كحديث: "ومن كانت هجرته إلى دنيا يُصيبها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".

واختُلِف في المراد بهذا الأمر، فقيل: المراد بلِّغْ كما أُنزل، وهو على ما فهِمت عائشة وغيرها، وقيل: المراد بلّغه ظاهرًا، ولا تخشَ من أحد، فإن الله يَعصمك من الناس، والثاني أخصّ من الأول، وعلى هذا لا يتّحد الشرط والجزاء، لكن الأول قول الأكثر؛ لظهور العموم في قوله: {ومَا أَنْزَلَ}، والأمر للوجوب، فيجب عليه تبليغ كلّ ما أُنزل إليه، ورجّح الأخير ابن التين، ونسبه لأكثر أهل اللغة.

وقد احتجّ أحمد بن حنبل بهذه الآية على أن القرآن غير مخلوق؛ لأنه لَمْ يَرِد في القرآن، ولا من الأحاديث أنه مخلوقٌ، ولا ما يدُلّ على أنه مخلوقٌ،


(١) "تفسير ابن كثير" ١٢/ ٢٩٤ - ٢٩٥.
(٢) "الفتح" ٨/ ٤٧٥ "كتاب التفسير" رقم (٤٨٥٦).