ويحتمل أن يكون في الكلام حذفٌ، تقديره: إن دام على فعل الذي أُمر به، ويؤيّد هذا قوله في حديث أبي أيوب - رضي الله عنه - الذي قبله:"إن تمسّك بما أُمر به دخل الجنّة".
قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: في هذا الحديث، وكذا في حديث طلحة في قصّة الأعرابيّ وغيرهما دلالة على جواز ترك التطوّعات، لكن من داوم على ترك السنن كان نقصًا في دينه، فإن تركها تهاونًا بها ورغبةً عنها كان ذلك فسقًا، يعني لورود الوعيد عليه، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "من رغِبَ عن سنّتي فليس منّي"، وقد كان صدر الصحابة - رضي الله عنهم - ومن تبعهم يواظبون على السنن مواظبتهم على الفرائض، ولا يفرّقون بينهما في اغتنام ثوابهما، وإنما احتاج الفقهاء إلى التفرقة؛ لما يترتّب عليه من وجوب الإعادة وتركها، ووجوب العقاب على الترك ونفيه، ولعلّ أصحاب هذه القصص كانوا حديثي عهد بالإسلام، فاكتفى منهم بفعل ما وجب عليهم في تلك الحال؛ لئلا يثقل ذلك عليهم، فيملّوا، حتى إذا انشرحت صدورهم للفهم عنه، والحرص على تحصيل ثواب المندوبات سهُلت عليهم. ذكره في "الفتح"، وقد تقدّم بنحوه (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه.
أخرجه المصنّف هنا (٤/ ١١٥) عن أبي بكر بن إسحاق، عن عفان بن مسلم، عن وُهيب بن خالد، عن يحيى بن سعيد بن حيّان أبي حيّان التيميّ، عن أبي زرعة، عنه.
و (البخاريّ)(٢/ ١٣٠) عن محمد بن عبد الرحيم عن عفّان به، وفي (٢/ ١٣١) عن مسدّد، عن يحيى القطّان، عن أبي حيّان التيميّ، عن أبي زرعة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، و (أحمد) في "مسنده" ٢/ ٣٤٢ عن عفان به و (أبو عوانة) في "مسنده"(٤)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه"(٩٥)، والله تعالى أعلم.