للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا التقسيم الذي ذكره القاري تقسيم ضيزى؛ لكونه مخالفًا لنصوص الكتاب والسنّة، ومناهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن الآيات القرآنية، والأخبار الصحيحة النبويّة مشحونة بأن العبادة للفوز بالجنة والنجاة من النار طريقة الأنبياء والمرسلين، وخير الهدى هداهم، {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠]، "وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -"، وقد قال الله عز وجل بعد ذكر أنبيائه: إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ولوطًا، ونوحًا، وداود، وسليمان، وأيوب، وإسماعيل، وإسحاق، وذا الكفل، وذا النون، وزكريّا، ويحيى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: ٩٠]، فهؤلاء أفضل الخلق أجمعين كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى رغبة ورهبة، فأيُّ رتبة أعلى من رتبتهم؟ وقال عز وجل عن إبراهيم عليه السلام: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥)} [الشعراء: ٨٥]، وقال تعالى عن عباده مثنيًا عليهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: ١٦]، وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} الآية [الإسراء: ٥٧]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩)} [الإسراء: ١٩]، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد الخلق أجمعين كثير السؤال للجنة، والتعوذ من النار، والأحاديث الصحيحة في هذا كثيرة لا حصر لها.

وبالجملة فالعمل المجرّد من الخوف والرجاء هو الذي أدخل الزندقة في كثير من المتصوّفة، الذين يزعمون تجرّدهم عن الإلتفات إلى الجنة والنار، وإنما يعبدون الله تعالى لمحبّتهم له، فصاروا يحتقرون عذاب الله وناره، ويتهاونون بالجنة ونعيمها.

ولهذا قال بعض العلماء: من عبد الله بالحبّ وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف وحده، فهو حروريّ (١)، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئيّ، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحّد.

وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى ردًّا على هؤلاء: إن الواحد


(١) أي من الخوارج الذين يكفّرون بالذنوب.