عَمِلْتُهُ، دَخَلْتُ الْجَنَّةَ) أي دخولًا أوليًّا، غير مسبوق بنوع من العذاب (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (تَعْبُدُ اللهَ) خير بمعنى الأمر، أو هو في تأويل المصدر بتقدير "أَنْ"، وحذفها مع رفع الفعل جائز في سعة الكلام على الراجح، كما قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} الآية [الروم: ٢٤]، وجوّز بعضهم نصبه، وهو شاذّ، كما قال في "الخلاصة".
ويحتمل أن يكون منزّلًا منْزِلة المصدر بذكر الفعل، وإرادة الحدث، كما في قوله:"تَسْمَعُ بالمعيديّ خير من أن تراه"، وهو خبر لمبتدأ محذوف، أي: هو، يعني أن العمل الذي إذا عملته دخلت الجنّة هو عبادة الله إلخ.
ثم قيل: المراد بالعبادة التوحيد، لعطف الصلاة، وما بعدها عليه، والأصل في العطف المغايرة، وذكر العبادة شامل للإقرار بالرسالة، لأنها لا تُعتبر بدونه، فذكرها مغنٍ عن ذكره، ويحتمل أن يكون السائل مؤمنًا، فذكرها له لشرفها، وكونها أصلًا، ويحتمل أن يكون المراد بالعبادة جميع أنواع الطاعات، فيكون عطف الصلاة وغيرها من عطف الخاصّ على العامّ.
(لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) جملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل، أي حال كونك غير مشرك به، قيل: وهو يؤيّد أن المراد بالعبادة التوحيد، وهذه الجملة تفيد التأكيد، وقيل: إنما ذكره ردًّا على الكفّار حيث قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣]، وبيانًا أن العبادة لا تكمل إلا إذا سَلِمت من أنواع الشرك، كبيرها وصغيرها، كالرياء والسمعة، كما قال الله عز وجل:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف: ١١٠].
[تنبيه]: قال القاري في "المرقاة": قال العارفون: التعبّد إما لنيل الثواب، أو التخلّص من العقاب، وتُسمّى عبادة، وهي أنزل الدرجات؛ لأن معبوده ذلك المطلوب، بل نقل الفخر الرازيّ إجماع المتكلّمين على عدم صحّة عبادته، أو للتشرّف بخدمته تعالى، والإنتساب إليه، وتسمّى عُبُودِيّةً، وهي أرفع من الأولى، ولكنها ليست خالصة له، أو لوجهه تعالى وحده، من غير ملاحظة شيء آخر، وتُسمّى عبودة، وهي أعلى المقامات، وأرفع الحالات. انتهى (١).