حرامًا" صريح في أن الحكم بالتحليل والتحريم من الله تعالى؛ وإنَّما الرسول مُبلِّغ.
قال القرطبيّ -رحمه الله-: ويُستدلُّ به في منع اجتهاد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الأحكام، ومن منع جواز تفويض الأحكام إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا حُجَّة فيه؛ لأنَّ اجتهاد المجتهد لا يوجب الأحكام، ولا ينشئها؛ وإنَّما هو مُظْهِر لها، كما أوضحناه في الأصول.
قال: ويفيد هذا: أن حكم الله على عليٍّ، وعلى غيره التخيير في نكاح ما طاب له من النساء إلى الأربع، ولكن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما منع عليًّا من ذلك لِمَا خاف على ابنته من المفسدة في دينها من ضرر عداوةٍ تَسري إليها، فتتأذى في نفسها، فيتأذى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بسببها، وأذى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حرام، فيحرم ما يؤدي إليه.
٣ - (ومنها): أن فيه القولَ بسد الذرائع، وإعمال المصالح، وأن حرمة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أعظم من حرمة غيره، وتظهر فائدة ذلك بأن من فعل مِمَّا ما يجوز له فِعله لا يُمنع منه، وإن تأذى بذلك الفعل غيره، وليس ذلك حالنا مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، بل يَحْرم علينا مطلقًا فعلُ كل شيء يتأذى به النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان في أصله مباحًا، لكنه إن أدَّى إلى أذى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ارتفعت الإباحة، ولزم التحريم، قاله القرطبيّ -رحمه الله-.
وقال في "الفتح": فيه حجةٌ لمن يقول بسد الذريعة؛ لأن تزويج ما زاد على الواحدة حلال للرجال ما لم يجاوز الأربع، ومع ذلك فقد مُنع من ذلك في الحال؛ لِمَا يترتب عليه من الضرر في المآل. انتهى.
٤ - (ومنها): أنه يدلّ على جواز غضب الرَّجل لابنته، ووَلَده، وحُرَمه، وعلى الحرص في دفع ما يؤدي إلى ضررهم؛ إذا كان ذلك بوجه جائز.
٥ - (ومنها): أنه يدلّ أيضًا على جواز خُطبة الإمام الناس، وجَمْعهم لأمر يحدث.
٦ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رحمه الله-: إن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "والله لا تجتمع ابنة نبي الله وابنة عدوِّ الله عند رجل واحد أبدًا"؛ دليل على أن الأصل أن ولد الحبيب حبيب، وولد العدو عدوّ، إلى أن يتبيّن خلاف ذلك، قال: وقد استنبط بعض الفقهاء من هذا مَنْع نكاح الأَمَة على الحرَّة، وليس بصحيح؛ لأنَّه يلزم