للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال ابن التين: أصحّ ما تُحْمَل عليه هذه القصة أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حَرّم على عليّ أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل؛ لأنه عَلَّل بأن ذلك يؤذيه، وأذيّته حرام بالاتفاق، ومعنى قوله: "لا أحرّم حلالًا"؛ أي: هي له حلال، لو لم تكن عنده فاطمة، وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لتأذي فاطمة به فلا.

وزعم غيره أن السياق يُشعر بأن ذلك مباح لعليّ، لكنه منعه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رعاية لخاطر فاطمة، وقَبِل هو ذلك؛ امتثالًا لأمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.

قال الحافظ: والذي يظهر لي أنه لا يَبعد أن يُعَدّ في خصائص النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن لا يُتزوج علي بناته، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك خاصًّا بفاطمة -عليها السلام-. انتهى (١).

(فَإِنَّمَا ابْنَتِي بَضْعَةٌ مِنِّي) بفتح الباء الموحّدة، وسكون الضاد المعجمة؛ أي: قِطعة، ووقع في حديث سُويد بن غَفَلة بلفظ "مضغة" بضم الميم، وبغين معجمة، والسبب في ذلك أنها كانت أصيبت بأمها، ثم بأخواتها واحدةً بعد واحدة، فلم يبق لها من تستأنس به، ممن يخفف عليها الأمر، ممن تُفضي إليه بسرّها إذا حصلت لها الغيرة، قاله في "الفتح".

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "بضعة مني، يريبني ما رابها" البضعة -بفتح الباء-: القطعة من اللحم، وتُجمع على بضاع؛ كقصعة وقصاع، وهي مأخوذة من البضع، وهو القطع، وقد سَمَّاها في الرواية الأخرى: "مُضْغَة"، وهي قَدْرُ ما يَمضغه الماضغ، ويعني بذلك: أنَّها كالجزء منه، يؤلمه ما آلمها، و"يريبني ما رابها"؛ أي: يَشُقّ عليّ، ويؤلمني، يقال: رابني فلان: إذا رأيت منه ما تكرهه -ثلاثيًّا- والاسم منه: الرِّيبة، وهذيل تقول فيه: أرابني -رباعيًّا- والمشهور: أن أراب: إنما هو بمعنى صار ذا ريبة، فهو مُريب، وارتاب بمعنى: شك، والرَّيب: الشك. انتهى (٢).

(يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا) كذا هنا في رواية مسلم: "يَرِيبني ما رابها" من راب يريب ثلاثيًّا، وفي رواية البخاريّ: "يُريبني ما أرابها"، رباعيًّا، وزاد في رواية


(١) "الفتح" ١١/ ٦٨١، كتاب "النكاح" رقم (٥٢٣٠).
(٢) "المفهم" ٦/ ٣٥٢ - ٣٥٣.